٧٣

1.4K 52 7
                                    

قضت منال نهارها كله في العمل.. طلبت من يوسف في رسالة مختصرة أن يتولى أمر فارس ذلك اليوم، فيما حافظت على التواصل المستمر مع فارس كي لايقلقه غيابها..
كان في داخلها شيء يقلقها ويعذبها.. كان سؤالا واحدا.. ماذا حصل بين يوسف وأبيها؟
لقد وعدها يوسف أنه سينسى أمر الانتقام، وهي تصدقه. فيوسف على عيوبه كلها لايكذب عليها مطلقا.  إذن، ماذا جرى ليستفزا بعضهما لهذه الدرجة، لدرجة أن يهاجم يوسف أحمد فيزيائيا رغم وعده لها؟ إن النتيجة الواضحة كانت أن أحمد هو من بدأ الهجوم، الأسوأ إذن، والذي كان تحديدا مايقلقها، ماذا قال يوسف لأبيها بحيث يجن لدرجة أن يهاجمه؟ فأحمد ليس من النوع الذي يفضل الهجوم الجسدي، بل هو يفرغ غضبه على شكل تلاعب نفسي خبيث ومدروس.
كما لاحظت أن أحمد كان مشحونا جدا بشكل مفاجئ اليوم بقوله أنه لايريدها أن تبقى مع يوسف أكثر رغم أنه سكت عن هذا الموضوع منذ مدة.. جعلتها حالته تستنتج أن يوسف تكلم عنها معه كي يستفزه.. بماذا أخبره تحديدا؟
شدت على أسنانها وشتمت يوسف داخلها.. إنها لاتريد أن يعرف أبوها عن الجحيم الذي عاشته مع يوسف، إنها تصارع لإخفاء القدر الذي تستطيعه منذ ظهر أحمد في حياتها من جديد، فهل سينسف يوسف كل جهدها ببساطة كي يزعج أحمد؟

خرجت من مقر عملها ليلا وهي تخطط لزيارة أحمد.. فمهما كان خلافها معه، لم تكن تريد تركه وحيدا وقت مرضه. لقد تقصدت أن تتأخر كي تهدأ.. حيث صبت كل طاقتها على العمل حتى لم يعد عندها المزيد منها كي تغضب.
في طريقها إلى المستشفى رن هاتفها.. لم تميز الرقم المتصل..
رفعت الهاتف بتوجس.. كان هذا رقمها الشخصي لا رقم العمل، ولهذا لم يكن من المعتاد أن يتصل بها أحد خارج محيطها الذي ليس إلا أشخاصا معدودين على الأصابع..
: نعم؟
وصلها صوت مضطرب وضعيف: امم. اه.. سيدة منال؟
قطبت حاجبيها وهي تحس برأسها يوشك أن ينفجر لفرط مابدا الصوت مألوفا: نعم؟
: هديل. انا هديل.. هل تذكرينني؟
ميزت منال الصوت وقتها مباشرة..: أذكرك طبعا. ما المشكلة، لماذا صوتك هكذا؟
قالت بصوت مرتجف: اممم.. إن زوجكِ.. إنه هنا.. يريد رؤيتي.. لم أعرف.. لا أعرف ماذا أفعل.
أوقفت منال سيارتها جانبا بحركة عصبية، دوى صوت احتكاك العجلات بالأرض واندفع جسمها إلى الأمام بفعل الالتفاف المفاجئ. لم تهتم.. بدت لها هديل خائفة، يبدو أنها صارت ترتعب من يوسف ومن مجرد ذكره.
تنهدت.. إنها ليست ملامة.. تعرف منال شعور التعرض للأذى الجسدي في عمر صغير.. ليس شيئا سهلا. ناهيك عن أن يكون في سياق جنسي..
قالت بصوت هادئ وواثق كي تطمئنها: لاعليكِ، سأتصرف، لاتقلقي.
بلعت هديل ريقها: آسفة.
بملل أجابت منال: تبا.. توقفي عن الاعتذار عن أشياء لم تخطئي فيها.. سأغلق الآن، لاتخافي.

أغلقت منال دون انتظار رد، واتصلت بيوسف مباشرة.. وصلها صوته هادئا..: مرحبا.
سحبت منال نفسا عميقا قبل أن تقول بجدية: ماذا تظن أنك تفعل؟ اسمعني يوسف، لن تلمس تلك الفتاة، هل جننت؟ إنها مجرد طفلة، دعها وشأنها!
قطب يوسف حاجبيه بصدمة..: كيف عرفتِ؟
انزعجت منال: هل هذا مايهم الآن؟ لقد هاتفتني المسكينة، ستموت خوفا منك، لا تلمسها، إياك أن تؤذيها!
تنهد يوسف بضيق: اهدئي.. لست هنا لإيذائها. جئت لأعتذر منها فقط!
سكتت منال ببعض التعجب.. قالت بصوت أهدأ: فعلا؟
: نعم.
أطلقت منال نفسا مرتاحا.. ثم توترت من جديد حين تذكرت: أين فارس؟
: نائم. وتركت عنده المربية.
هدأت من جديد..: حسنا.
أغلقت منال الهاتف وأرسلت لهديل رسالةً لتطمئنها. ثم حركت السيارة من جديد ذاهبة إلى أبيها.

يومٌ لا نهايةَ لهحيث تعيش القصص. اكتشف الآن