تأمل يوسف الشوارع المظلمة وهو يقود السيارة نحو البيت.. كان يحس بكآبة ثقيلة تخيم عليه؛ لم يكن قد فكّر بحاتم منذ سنين.. وفي الواقع، أدرك أنه لم يبرمج وفاة حاتم أبدا. فهو كان منشغلا جدا ليفكر بالأمر وقتها، وبعد ذلك قام عقله الباطن برمي كل هذه المشاعر في أرففٍ بعيدة سعيا لحمايته.
الآن، بعد أن استعاد يوسف قدرته على العاطفة والشعور، أحس بشيء يؤلمه بحدة، شيء يتقلص في صدره، حين تذكر وقته مع حاتم.لم يكن واثقا ماذا كان حاتم له بالضبط.. لم يكن يشكّل أبا بالنسبة له، ولكنه كان يشبه قدوة، أو مثالا أعلى كان يوسف يتطلع لرضاه.
وحين تأمّل يوسف الأمر أكثر، أدرك أن تأثير حاتم عليه لم يكن إيجابيا فقط، وإنما كانت به أيضا بعض السلبية التي عززت أسوأ صفات يوسف.
فحاتم كان يغضب عليه حين يتصرف بعاطفية، ويحثّه دائما على أن يكون قويا وصلبا وشرسا، والأهم من كل ذلك، استراتيجيا ومتلاعبا، كي ينجح في عالم الأعمال القاسي. لقد تعززت كل هذه الصفات التي كانت أصلا جزءا من يوسف، بسبب حاتم، وأدرك يوسف أنه لا يعرف فعلا؛ لو لم يمت حاتم، هل كان سيعزز جانبه الحسن، أم جانبه السيء؟ضغط بكفيه على المقود حين خيّم عليه حزن الفقد. أدرك أن هذه أول مرة يفتقد فيها حاتم منذ وفاته. لوهلة تمنى لو باستطاعته أن يتكلم معه.
لقد كان حاتم قاسيا للغاية على يوسف، رغم حنانه معه في الوقت نفسه. لقد أراد أن يصنع منه رجلا شجاعا قادرا على مواجهة العالم، لأنه كان يعرف أنه لن يعيش طويلا كي يحميه، أراد أن يجهزه كي يعتني بنفسه وحده.
فكّر يوسف، لم يكن حاتم عاطفيا قط إلا في أيامه الأخيرة وبعد أن اشتد عليه المرض.. مما جعل تلك الأيام أكثر إخافة وقسوة..
مع ذلك، كان يتذكر يوما ما، في أول الأيام التي اشتد فيها مرض حاتم..=
(قبل سنين عديدة)جلس الاثنان في مكتب حاتم.. كان حاتم جالسا وراء مكتبه، بينما جلس يوسف على الأريكة. كانا منشغلين بالعمل، فيما ساد الصمت إلا من صوت المطر الحاد والهواء العاصف في الخارج.
ألقى يوسف نظرة على النافذة التي انزلقت عليها قطرات المطر بسرعة بالغة، ثم طارت بسرعة بسبب الرياح العاتية، ثم رمى نظرة أخرى على حاتم الذي بدا شاردا بعض الشيء في أوراقه وحاسبه الآلي.
لقد اعتاد يوسف مؤخرا على شرود حاتم المفاجئ، كان حاتم يتأمل كثيرا، ويفكر بقوته التي يخسرها مع كل يوم يمر.عاد يوسف إلى عمله، كان يراجع القوائم المالية، وكان منهمكا بالحسابات بتركيز بالغ.
: يوسف..
التفت يوسف إلى حاتم الذي ناداه بصوت هادئ..
تنهد حاتم وقال وهو يفلت الورقة التي كانت في يده ويتركها تسقط ببطء على المكتب: أحضر لي مشروبا من فضلك.. -أشار إلى الطاولة التي حملت زجاجات مختلفة- أحضر نبيذا..
نهض يوسف حالا بصمته الذي اعتاد عليه حاتم، سكب كأسا من النبيذ الأبيض ووضعه على المكتب أمام حاتم، قبل أن يعود إلى مكانه.
أنت تقرأ
يومٌ لا نهايةَ له
Romanceتعيش منال منذ طفولتها مع الوحش.. الوحش، والعائلة الوحيدة. هذه القصة محض خيال، ولا تشابه بينها وبين الواقع. فضلا، لا تنقل هذه القصة أو تنشرها في أي مكان. لا ينصح بقراءة القصة لمن هم دون ١٨ عاما. *مهم: لا تروج هذه القصة لأي شكل من أشكال العنف، وإنما...