١٢٨

1.4K 51 16
                                    

أوقفت منال سيارتها أمام بيت سارة، حيث اتفقا على اللقاء.
ألقت نظرة على النافذة، واستطاعت أن تلاحظ بوضوح ثلاثتهم هناك، سارة، يوسف وفارس. إذن لقد سبقها يوسف بالفعل.
فتحت باب سيارتها، ثم تجمدت لحظات وهي تعيد عينيها على يوسف.. وشدت على أسنانها بألم.. ملابسه مختلفة، وشعره رطب بعض الشيء..
أعادت إغلاق الباب وجلست على مقعدها وهي تحس بقلبها يخفق بشدة.. ليس خفقان انفعال، بل خفقان ألم شديد.
كانت تلاحظ هذا على يوسف من وقت لآخر، يغيب، لا تعرف أين يذهب، ثم يعود بملابس مختلفة، لتعرف تماما أين كان.
كانت تعرف أنها هي من منحته الإذن بفعل ذلك، ولكن الأمر كان يزيد صعوبة شيئا فشيئا مع مرور الوقت.. فكرت باللحظات الدافئة التي قضياها معا في السيارة بعد الموعد، وآلمتها معدتها حين فكرت أنه ذهب بعد ذلك مباشرة، ليضاجع امرأة أخرى.. فقط بعد أن أخبرها كم يحبها، بعد أن فاضت عيناه بعشقها، بعد أن مارسا الجنس، بعد أن قبلها وأخبرها أنه سيفعل كل ما بوسعه ليسعدها، ذهب ليلمس غيرها.. كيف يكون هذا محتملا؟
أرخت رأسها إلى الخلف وسحبت نفسا عميقا محاولة أن تهدأ، فكّرت، لماذا يغير ملابسه، لماذا يظهر لها بهذا الوضوح ما يفعل؟ لماذا لا يتعب نفسه بإخفائه قليلا؟ هل يمتعه إيذاؤها؟ هل يتلذذ بهذا الاستعراض أمامها؟
عضت على شفتها من الداخل وأعادت عينيها على النافذة، رأته يبتسم ابتسامة واسعة وهو يلاعب بندق الذي كان يرافق فارس طوال اليوم.
شدت يدها على المقود، كان بندق كعادته يلعب مع يوسف ويداعبه بعاطفة كبيرة، بينما كان فارس في حضن يوسف، ملتصقا به، يلاعب بندق معه وهما يضحكان، فيما جلست سارة على الكنبة المقابلة تبادلهما الأحاديث بابتسامة ودودٍ.

تأملت منال فارس بتعب.. بدا سعيدا للغاية، ومستقرا. لقد بذلت هي ويوسف جهدا لا يصدق في تحسين نفسيته خلال الفترة الأخيرة، ففارس كان يواجه مشاكل حقيقية في تقبّل أبيه بعد أن عرف عن إيذائه لمنال. وكان يعاني، بوضوح شديد، لأنه بالنسبة لفارس، يوسف يشبه بطلا خارقا يعرف ويتقن كل شيء، يشبه قدوة لا تصدق، ويشبه قوة سحرية قادرة على تحقيق أي شيء. كان يحبه فوق الوصف، ويتطلع له بإعجاب واحترام. بالنسبة لفارس، يوسف يمثّل الحياة بأكملها، وكانت علاقتهما أثمن شيء يملكه.

كان فارس يحب أمه بالقدر ذاته، كان يحبها ويتعلق بها فوق العقل والتصور، ولكن، كان حبها شيئا امتلكه منذ عرف نفسه، كانت تمثل له الأمان والسعادة ومعينا لا ينضب من الحب غير المشروط. أما يوسف، فلقد عانى فارس كثيرا حتى استطاع أن يكون معه أي علاقة على الإطلاق، ولذلك، بعد أن حصل عليها، صارت بالنسبة له مثل جوهرة ثمينة يخاف أن يفقدها. لقد تصور طيلة عمره كيف ستكون محبة أبيه، لقد كان يحلم دائما، خلال فترة إهمال يوسف له، بعشرات السيناريوهات التي يحتضنه فيها يوسف أخيرا، ويقبله ويخبره كم يحبه. لقد كان يراقب أباه دائما في الخفاء، بفضول واحترام ولهفة، ويعجب بكل شيء يفعله، ويتمنى لو يكون مثله، ويتمنى لو يحصل على انتباهه ولو للحظة، ولكنه فشل دائما. لقد عاش فارس طفولته كلها يرى يوسف مثل بطل بعيد لا يمكن الوصول إليه، ولكن، عندما وصل إليه فعلا، وحين حصل على محبته حين تذوقها، اكتشف أنها كانت أفضل وألذ من كل تصوراته وأحلامه، وصارت شيئا يتلذذ به كل يوم وكل لحظة.

يومٌ لا نهايةَ لهحيث تعيش القصص. اكتشف الآن