ميل يوسف عينيه بصعوبة على رأس منال المرتخي فوق كتفه.. راقبها وهي تتحرك غير مرتاحة.. تنهد وبحركة بطيئة وهادئة للغاية سحبها لتستلقي على الكنبة وتريح رأسها فوق حضنه.
لم تشعر بشيء وسط نومها العميق.. أخذ يتأملها شاردا.. مرر أصابعه على شعرها.. ثم على وجنتها، ثم على ملامحها كلها واحدة واحدة.
لم تكن له فرص كثيرة كهذه من قبل، أن يتأملها ويتفحص ملامحها كما يشاء، بما أن نومها سهل القطع للغاية، لمسة واحدة عادةً تجعلها تفيق مباشرة.
بلع ريقه مضطربا وخفق قلبه بسرعة.. كم هي بالنسبة له جميلة.. خرافية الجمال.. ذلك التأمل كان ضارا للغاية لمشاعره، لأنه يجعله يحس بحب كبير نحوها لايناسب حقيقة أنه سيفترق عنها غدا ولمدة غير معلومة.
نظر إلى حاجبيها مفكرا.. دائما مقطبان تقطيبة خفيفة، حتى وهي نائمة! مرر إبهامه وسبابته عليهما محاولا أن يفردهما، وما إن أفلتهما حتى انكمشا من جديد في تقطيبة واضحة.. ابتسم دون شعور.
ظل يراقبها محاولا أن يشبع، عابثا بشعرها الناعم بتلذذ.. وهكذا حتى غفى.—
خرج فارس من غرفته مع طلوع الصباح متثائبا يفرك عينيه.. لم ينم نوما مريحا.. كان قلقا للغاية.. ومخاوفه كانت لاتحصى.. لم يكن يثق بأمه مطلقا بخصوص وعودها بعدم تركه.. هل ستختفي مجددا إذا غاب؟ وكان يتساءل عن سبب السفر أصلا.. ومع كثرة التفكير كانت غفوته معكرة للغاية.
كل هذا هدأ، واطمأن قلبه للغاية حين دخل الصالة، ليجد يوسف نائما وهو جالس على الكنبة، بينما كانت منال مستلقية مريحةً رأسها فوق حضنه، ويد يوسف غارقة وسط شعرها.
ابتسم سعيدا بهذا المنظر، وبالسلام الذي بدا محيطا بهما. ركض متعجلا وأحضر الكاميرا التي تستعملها أمه دائما لتخليد اللحظات المهمة، اللحظات التي تستحق ماهو أفضل من صورة هاتف، ولسبب لا يعرفه التقط صورة ذلك المشهد الذي بدا كلوحة. أراد تخليد ذلك الشعور.. ثم ذهب إلى غرفتهما، تكور فوق سريرهما الواسع ونام هناك.—
وقف الثلاثة خارج المنزل أمام الباب، حيث كان يوسف وفارس يستعدان للمغادرة
: لن تذهبي لأي مكان؟
تنهدت منال وهي جالسة أمام فارس الذي يجاهد كي لا يبكي، مررت يدها على وجنته وقالت مجيبة السؤال للمرة الألف: سأكون هنا بانتظارك، حسنا؟ واتصل بي متى شئت، وسأجيبك مباشرة، ولو في منتصف الليل.
فرك فارس عينيه مخفيا دموعه ثم تقدم منها ليعانقها بقوة محيطا عنقها بذراعيه.. هاجمها حزن شديد.. عانقته وهي تشده إليها قدر إمكانها وكأنها ستدمج جسمه في جسمها ليصبحا شيئا واحدا. مسحت على شعره وسكنت مانحةً إياه الأمان الذي عرفت أنه كان يحتاجه.
راقب يوسف هذا المنظر بصمت.. كان هذا الوداع صعبا للغاية على الثلاثة.. وكان قاسيا عليه تحديدا.. لطالما خاف الوحدة، ولهذا كان يجبر منال دائما منذ صغرها على الجلوس في الصالة ويمنعها من الانعزال في غرفتها.. ولهذا كان يجبرها على نومها بجانبه دائما.. لأن بقاءه وحيدا يفزعه ويشعره بالوحشة.. إن مجيء فارس معه يخفف عنه الآن كثيرا، يجهل كيف سيكون شعوره لو اضطر منذ الآن للسفر وحيدا..
أنت تقرأ
يومٌ لا نهايةَ له
Romanceتعيش منال منذ طفولتها مع الوحش.. الوحش، والعائلة الوحيدة. هذه القصة محض خيال، ولا تشابه بينها وبين الواقع. فضلا، لا تنقل هذه القصة أو تنشرها في أي مكان. لا ينصح بقراءة القصة لمن هم دون ١٨ عاما. *مهم: لا تروج هذه القصة لأي شكل من أشكال العنف، وإنما...