رفع يوسف عينيه إلى السماء الغائمة منزعجا حين لامست قطرات مطر خفيفة وجهه.
لم يكن يوسف يحب المطر، ولم يكن يتحمل الابتلال.. فهو قد قضى لياليَ طوال في الإسطبل يرتجف بردا بسبب المطر اللا منقطع، أو اضطر للغفو فيما هو مبتل تماما. كما أن حسام كان يعشق مفاجأته بسكب الماء المثلج عليه أثناء نومه. ولهذا، لم تكن ليوسف ذكريات حميمة أو مستحبة مع البقاء مبللا.كانت سماء تلك الليلة غائمة تماما، ولكن القمر كان بدرا شديد اللمعان، وكان ضوؤه يتسلل من بين السحب المتزاحمة محاربا كثافتها ومجاهدا كي يبرق في مظهر بديع وفاتن.
سمح يوسف لنفسه بتأمل هذا المنظر لحظات وهو يدخن سيجارة أمام بيت عائلته قبل أن يطلق زفرة ويرمي سيجارته أرضا ويمشي بكآبة متجها إلى الداخل..
لم يكن يوسف يعرف الهدف من زيارته هذه.. كان ضائعا.. لم تكن عنده أي أغراض محددة وراء الزيارة وكان واثقا أنه سيخرج منها بشعور أسوأ من الشعور الذي دخل به. ولكن، ومع ذلك كله، كان يحس بالحاجة لمواجهة ماضيه.حين اقترب من باب المنزل، رفع يده وهاتف عمه أنس متجاهلا الساعة المتأخرة.
أجابه صوت أنس القلِق: يوسف؟ عساه خيرا يا بني؟
تنهد يوسف.. ها هو أنس يكلمه بصوت حريص وكأنه لم يهرب من واجبه تجاهه مثل سنين.
قال بصوت محايد خال من أي شعور: أنا ذاهب لرؤية العائلة.. إذا كان عندك أي اهتمام بالمشاركة في هذه المحادثة يمكنك أن تأتي لأنني لن أكررها لأي سبب.
سكت أنس لحظات متفاجئا قبل أن يقول بجدية: يوسف، ماذا تخطط يا بني؟ أريدكم أن تصطلحوا، لا أن تتشاجروا!
رفع يوسف رأسه محدقا بالسماء، رأى بوضوح قطرات المطر القليلة تتساقط ساحبةً معها شيئا من شعاع القمر.. تأمل حركة الغيوم السريعة الانسيابية قبل أن يتمتم: لا أعرف..
لم يكن يوسف ذاهبا ليتشاجر أو ليحدث أي مشكلة.. لم يكن حتى غاضبا أو مشحونا بالكراهية كعادته، على العكس، كان خائفا ووحيدا وبحاجة ليطمئن..سكت أنس ولم يعرف كيف يتجاوب مع هذا الرد الغريب.. قال بهدوء: لا بأس.. هلا انتظرتني قبل أن تدخل؟ سأكون عندك قريبا..
أغمض يوسف عينيه وسحب نفسا عميقا ثم أطلقه زفيرا واحدا قبل أن يجيب: آسف.. أنا مستعجل..
أغلق يوسف الهاتف ومشى ببطء وهو يحشر يديه في جيوبه.. أحس بالوحدة تأكله.. فكّر.. لماذا هو وحيد دائما؟ سواء بوجود منال أو دونها، كان دائما وحيدا..
منذ صغَرها، كان يجبرها على البقاء معه.. كان يمنعها عن الاختلاء في غرفتها، متى ماكان في المنزل، كان عليها أن تبقى معه في نفس المكان، وذلك لأنه كان يخاف الوحدة ويرتعب منها بعد أن قضت على حياته كلها..
ودون منال، سواء قبل أن تكون معه، أو حين كان يمنحها إجازاتٍ قصيرة من جحيمه، كان يستعين بليلى وغيرها من النساء.. كل ما أراد كان الهروب من الاختلاء بنفسه.. ولا شيء آخر.. ورغم كل هذا، يجد نفسه في آخر الأمر منبوذا ومكروها، حتى من عائلته وأقرب الناس له؛ زوجته وابنه.

أنت تقرأ
يومٌ لا نهايةَ له
Romanceتعيش منال منذ طفولتها مع الوحش.. الوحش، والعائلة الوحيدة. هذه القصة محض خيال، ولا تشابه بينها وبين الواقع. فضلا، لا تنقل هذه القصة أو تنشرها في أي مكان. لا ينصح بقراءة القصة لمن هم دون ١٨ عاما. *مهم: لا تروج هذه القصة لأي شكل من أشكال العنف، وإنما...