بعد عشرين دقيقة من الأسئلة التفصيلية والدقيقة..
: إذن، أنت لم تدخل بيت أبيك مطلقا يوم أمس؟
استمع يوسف الجالس باسترخاء في غرفة مغلقة لأسئلة المحقق.. ميل نظره إلى الكاميرا التي تسجل أقواله.. ثم أعاد نظره إلى المحقق وقال بهدوء: كلا، مطلقا.
: يدعي حسام، والدك، أنك عبثت بالتوقيت في ساعات منزله كي تشتت شهادته وتخلق لنفسك عذر غياب، ماردك على هذا؟
رفع يوسف حاجبيه بصدمة مصطنعة وكأنه سمع أسخف شيء في حياته..: ماذا؟ من قد يفعل هذا؟ ولمَ سأتكبد كل ذلك العناء؟ إلى أي درجة اضطربت صحته ليصل إلى هذه الدرجة من التوهم والخيال!
تنهد المحقق والتفت إلى زميلته بتوتر.. كلاهما كانا يحاولان استخراج أي شيء من يوسف ولكن أقواله كانت منطقية تماما، ولم يكن لادعاءات حسام أي شيء تستند عليه.
قالت المحققة بهدوء: يشاع أن بينك وبين أبيك خلافات طويلة وعميقة، هل هذا صحيح؟
تنهد يوسف: صحيح. ولكننا تجاوزنا هذا وتغاضينا عنه. إن الاحتكاك بيننا محدود ولكنني لست أعاديه مطلقا وبيننا علاقة طبيعية. على العكس، إذا راجعتم ماغطته الصحافة والتلفاز، ستجدانني موجودا في كل حفل أو دعوة أقامها في بيته.
: إذن أنت لا تحمل ضده أية أحقاد؟
: مطلقا. ليست علاقتنا مثالية، ولكنني لا أهتم به.سكت الاثنان.. لم يكونا يريدان إطالة الأمر، فيوسف رجل مهم، وله أذرع في كل مكان، وليس من السهل الضغط عليه أو إزعاجه. ولكن حسام في الوقت نفسه كان كذلك مهما وذا أذرع، وهذا ماجعل التحقيق مع يوسف ممكنا، وهو ماجعل يوسف يحتاط ويخطط طويلا قبل أن يقدم على مهاجمة حسام.
على عكس المرات التي حاولت منال فيها مثلا أن تلجأ للشرطة ضده.. كونها ليست إلا مواطنا عاديا، كان من السهل على يوسف أن يدفن أي شيء يصدر عنها ويمحوه من الوجود.خرج يوسف أخيرا من مركز الشرطة.. كان شاردا، شيء واحد كان يكدر عليه ارتياحه لما فعل، بل في الحقيقة، كانا شيئين، ولكنه كان يحاول دفن الشيء الثاني بعيدا في قاع ذهنه كي لا يفكر به.
كان الشيء الأول أخته سارة، التي تحاول الاتصال به منذ ليلة الأمس، ولم يجرؤ على التجاوب معها. لقد كان يعرف، قبل أن يفعل فعلته، أن ذلك سيعني نهاية علاقته بسارة.. فمهما كانت سارة تهتم به، ستهتم بوالديها أكثر بطبيعة الحال.. ولن تتسامح معه بعد أن أقعد أباها وأخفى أمها.
تنهد متضايقا وهو يحرك سيارته متجها إلى عمله، لقد قرر أن يتابع نمط يومه بشكل طبيعي وكأنه يوم عادي كي لا يلفت نظر الشرطة، كما كان عنده اجتماع مهم يومها في العمل.أما الشيء الثاني الذي كان يفكر به، والذي كان ينغزه بشدة من الداخل.. هو تفكيره بكم كان يشبه أباه.. أولا من ناحية شعوره تجاه منال، والذي كما أوحى له صدامه مع أبيه يشبه للغاية شعور ذلك الأخير تجاه أمه، وثانيا من ناحية أخرى كانت مرتبطة بذكرى مزعجة للغاية كانت تلح عليه. زفر بضيق وتذكر..
=
لم يكن عمره يزيد على اثني عشر عاما، وكان عالقا في صدام مع أولاد أكبر منه، كانوا جميعا من أبناء الحي الذي يعيش فيه.
لطالما كان عرضة للسخرية بسبب مظهره المبهذل وملابسه المستهلكة وسط حي كل سكانه من الأغنياء. وكانت عادته أن يسكت وينكمش على نفسه، فهو ليست عنده أي قوة أو ثقة للمواجهة بعد كل هذا الذي مر به.
ولكن في تلك المرة، لم يستطع أن يتحمل، وهاجم الأولاد الذين كانوا أضخم وأقوى منه، موقعا نفسه في ورطة صعبة حيث اجتمعوا عليه، حصروه في إحدى الزوايا لتبدأ مسرحية الأذى الجسدي واللفظي.
يتذكر أنه كان منكمشا إلى الجدار خلفه، يلهث بشدة بعد المحاولات البائسة التي نفذها كي يقاوم، وعندها سحبه أحد الأولاد من شعره بينما شده الثاني من ربطة عنق قميصه المدرسي قائلا بسخرية وسط ضحك زملائه: لماذا تكذب وتقول أنك تعيش هنا؟ من الواضح أنك ابن أحد الخدم، لم لا تعترف فحسب؟
أنت تقرأ
يومٌ لا نهايةَ له
Romanceتعيش منال منذ طفولتها مع الوحش.. الوحش، والعائلة الوحيدة. هذه القصة محض خيال، ولا تشابه بينها وبين الواقع. فضلا، لا تنقل هذه القصة أو تنشرها في أي مكان. لا ينصح بقراءة القصة لمن هم دون ١٨ عاما. *مهم: لا تروج هذه القصة لأي شكل من أشكال العنف، وإنما...