٤٩

1.8K 60 5
                                    

ركز نظراته عليها محاولا دراسة ملامحها.. لقد شردت لثوان متذكرة مشاعرها ذلك اليوم. أعادت بصرها عليه فجأة وبدا له أنها عادت إلى الواقع. مررت أصابعها على وجنتها ساهمةً ثم قالت بصوت هادئ: هلا جلست؟
استراح كثيرا حين وجهت خطابها له.. هي أخيرا تتكلم معه كلاما حقيقيا وليس تظاهرا لأجل فارس.  لقد توقع قطيعةً طويلة.
جلس على الكنبة المفردة، وضع ساقا فوق ساق وسكت منتظرا.. أركت ظهرها على ظهر الكنبة ووضعت حاسبها جانبا. نظرت إليه منزعجة، كانت تكره جلسته هذه التي تعطي إيحاءً بالتعالي والارتياح، إنه مزعج حتى في أبسط سلوكياته.
قالت وهي تهز قدمها هزا خفيفا يوضح عدم ارتياحها..: متى اكتسبت نظرتك لي طابعها الجنسي؟
قطب حاجبيه غير فاهم: ماذا؟
: سؤالي واضح يا يوسف، متى، في أي عمر بدأت تراني بنظرة جنسية؟
قال بضيق: لا يمكنني التفكير بسبب واحد يجعلك تسألين مثل هذا السؤال السخيف!
سكتت وثبتت نظراتها عليه، ثم أمالت نظرها على الكتاب. احتدت أنفاسه حين بدأ يفهم فيما تفكر وبدأ يظهر عليه الغضب.
قالت بهدوء: في يوم مثل اليوم الذي اشتريت لي فيه هذا الكتاب، كيف كنت تفكر؟ كيف كنت تراني؟
اتسعت عيناه باستنكار شديد، رأت وجهه يحمر من الغضب.. قفز من مكانه متقدما في جلسته إلى الأمام وقال محاولا ألا يصرخ كي لا يوقظ فارس: هل جننتِ؟ لقد كنتِ طفلة! ماذا تظنينني؟ هل أنا حيوان؟ هل تظنينني مثل أبيك المقزز المثير للاشمئزاز؟
انكمشت عضلاتها ببعض الخوف حين رأته بهذا الغضب وشدت جسمها.. عض على شفته وعاد ليعتدل في جلسته محاولا أن يهدأ.. تنهدت بارتياح حين خفتت ثورته وتباطأت أنفاسها التي تسارعت بعض الشيء..
قالت محاولة تهدئته: لاتغضب يا يوسف، أنا لا أحاول استفزازك. هذا ليس موضوعا يسليني الكلام فيه كذلك. ولكن، علي أن أفهم كيف كان عقلك يعمل في يوم مثل ذلك اليوم.
سمعت صوت أسنانه التي حكها ببعضها لشدة الغيظ.. قال بصوت حاد: أنت تعرفينني، وتعرفين في قرارة نفسك كيف كنت أفكر. لستِ بحاجة لسؤالي كي تتأكدي. إذا جاء يوم ونظرت فيه إلى طفلة نظرة كتلك فسوف أقتلع عيوني بنفسي! أنا لا أفهم فعلا كيف تفكرين، وكيف يخطر ببالكِ أصلا شيء كهذا!
ابتسمت بسخرية: يالك من رجل شريف.
تنهد متعبا من انفعاله: ليست هذه هي الخلاصة المقصودة!
لم تكن قد فرغت بعد.. قالت بجدية وهي لازالت تثبت عينيها في عينيه: إذن فعمر ١٤ عاما ليس في نطاق الطفولة بالنسبة لك؟
فرك عينيه بإجهاد وقال متضايقا: ماذا تحاولين أن تفعلي؟ هل تحاولين تعذيبي؟ هل تظنين أنني كنت سعيدا عندما فعلت ذلك الشيء وقتها؟ لقد أجبرت نفسي عليه إجبارا.
مررت لسانها على جانب فمها كمن يكتم غضبه.. لم تكن تصدق أنه يتكلم عن نفسه وكأنه مسكين وسط سياق مثل هذا.. ولكنها لم تعلق. لم تكن تريد استثارته أكثر. فهي لسوء الحظ خائفة.
رمقها بنظرات حادة لثوان.. لا يعرف لماذا تخوض معه مثل هذا الحديث. قال بهدوء: عندما قررت أن آخذك من أحمد، وعدت نفسي شيئا واحدا، قلت لنفسي أنني لن أكون يوما مثله، وأنني لن ألمسك بتلك الطريقة مطلقا. نعم لقد أخذتك وأنا أنوي إساءة معاملتك، ولكنني كنت قد قطعت على نفسي عهدا صارما أن لا أفعل ذلك الشيء مهما كان غضبي من أحمد. عندما عاد، في ذلك العمر الذي ذكرتِ، لقد جننت وفقدت عقلي، وفعلتُه، ولكنني لم أفعله لأنني أردت. لم يصبح الأمر رغبةً إلا بعدها.

يومٌ لا نهايةَ لهحيث تعيش القصص. اكتشف الآن