كانت منال شاردةً خلال جلوسها في العيادة.. كانت تتذكر موقفا قديما..
=
وقع ذلك عندما كان عمر فارس مايقارب أربع سنين.. كان يوسف خارج المنزل، وكانت منال قد قد تركت فارس يلعب في الصالة وانشغلت بأعمالٍ أخرى في الداخل..كان فارس يلعب باندماج وهو يثرثر مع نفسه ويتكلم ويغني.. لم تكن ألفاظه واضحة، وكان يتأتئ..
شيءٌ لا يعرفه فارس، أنه تأخر كثيرا حتى بدأ يتكلم، وتأخر أكثر حتى أتقن الكلام بوضوح.
وقتها كانت منال تثق أن هذا بسبب خشونة يوسف معه رغم إنكار يوسف المستميت لهذا.. ولكن منال كانت لا تشك أن تعرض فارس للرفض المستمر من أبيه كان يضع دماغه تحت ضغط لا يتحمله أي أحد في عمر صغير كذاك.
صحيح أن يوسف لم يكن يعامله بشكل سيء، لم يكن يصرخ عليه مثلا أو يسيء إليه، ولكنه كان يعامله بجفاء قاسٍ.. كان يبعده عنه، يرفض لمسه، يهرب بمجرد أن يحاول فارس أن يقترب منه، يرفض حتى أن ينظر في عينيه. وهكذا عانى فارس حتى تمكن من النطق بطلاقة وسلاسة.دخل يوسف يومها البيت، عبس بضيق حين دخل الصالة ورأى الفوضى.. ففارس ذو الأربع سنين جالس على الأرض وسط كومة ألعابه ومكعباته التي شكّل منها عشرات الأشكال، الوسائد متناثرة على الأرض، مفرش المنضدة على الأرض كذلك، وفي إحدى الزوايا بنى فارس بالمراتب والوسائد والأغطية قلعةً صغيرة.
التفت فارس حين سمع صوت أبيه.. ابتسم بتردد قبل أن يقول: بابا!
تجاهله يوسف ومضى في طريقه.. دمعت عينا فارس بسرعة ولكنه لم يستسلم.. قفز من مكانه ووقف أمام أبيه قاطعا سيره.. قال باضطراب وبلهجة متلعثمة غير واضحة وهو يعصر أكمام كنزته في كفيه: بابا هل تريد أن تلعب معي؟ يمكننا أن نبني بالمكعبات أي شكل تريد!
سحب يوسف نفسا عميقا.. نظر أمامه مبعدا عينيه عن فارس قبل أن يجز على أسنانه بألم ويتابع سيره ويتجاهله تماما..دخل الغرفة حيث كانت منال منشغلة بترتيب الغسيل النظيف في الدولاب.. قال بحدة خافضا صوته كي لا يصل لفارس: أنتِ هنا؟ ألم أقل لكِ أن لا تتركي ذلك اللعين وحده في وجهي؟
التفتت منال إليه.. تضايقت بشدة من نعته لفارس بـ"اللعين".. قالت بصوت هادئ: مساء الخير لك أيضا..أيامها كانت منال لازالت قادرة على الحفاظ على هدوئها واستقرارها النفسي الكامل مع يوسف كي تتجنب استفزازه.. فهو وقتها كان مؤذيا وعنيفا أكثر بكثير من الأيام التي تلت عودتها من هروبها لاحقا، وكان تركيز منال كله على فارس، إنها تكرّس كل حياتها له، وكل تصرفاتها كانت مبنية على هذا التكريس.. ولهذا لم تكن تهتم بمحاربة يوسف بقدر اهتمامها بتجنب المشاكل كي تصنع أفضل بيئة لفارس..
تسارعت أنفاس يوسف وتابع بغضب: وما تلك الفوضى؟ أنتِ تعرفين أنني لا أتحمل هذا المنظر! اتركي هذه الملابس من يدك واخرجي حالا إلى الصالة ونظمي مافعله ابنكِ الـ-
قاطعته منال بصوتها الهادئ ذاته قبل أن يشتمه من جديد: سأفعل. سأفعل الآن. لا عليك.
أنت تقرأ
يومٌ لا نهايةَ له
Romanceتعيش منال منذ طفولتها مع الوحش.. الوحش، والعائلة الوحيدة. هذه القصة محض خيال، ولا تشابه بينها وبين الواقع. فضلا، لا تنقل هذه القصة أو تنشرها في أي مكان. لا ينصح بقراءة القصة لمن هم دون ١٨ عاما. *مهم: لا تروج هذه القصة لأي شكل من أشكال العنف، وإنما...