في تلك الليلة ذاتها.. في وقت يتعدى منتصف الليل، تركت منال الورقة والقلم، بعد أن قضت الوقت تحاول تذكر ماكان مكتوبا في ورقة فارس.. كتبت منه ما استطاعت، وقررت أن تقنعه غدا أنها فقدت الورقة بالخطأ، وأنها بذلت جهدها لتذكرها.
شغلت التلفاز بتململ منزعجة من الصمت، كانت تحب تركه غالبا كخلفية صوتية حولها.
أخذت تقلب بين القنوات، قطبت حاجبيها وتوقفت حين لمحت من يشبه يوسف، قالت لنفسها بأن هذا مستحيل، فهو مسافر. وانزعجت لهلوستها به.
مع ذلك حين دققت في البث الذي كان يعرض تقريرا عن حفل مهم في بيت وزير الاقتصاد، وجدته بالفعل وسط الصور.
تساءلت متى عاد إلى البلاد، وانزعجت من لامبالاته. ففارس نائم لحسن الحظ، ولكن، ماذا لو كان مستيقظا وشاهد هذا معها، وعرف أن أباه موجود في البلاد وبعيد عنهم مع ذلك؟
تنهدت، خفضت الصوت كثيرا كي لا يصل لفارس وظلت تتأمل الصور ومقاطع الفيديو التي استمر عرضها، ورد كذلك حوار شخصي صغير مع يوسف.. كان رزينا وهادئا للغاية كعادته في مثل تلك المحافل، أجاب عدة أسئلة بابتسامة رائقة ومسترخية.
تأملته طويلا.. بدلة رمادية تحتها قميص أبيض.. وجه مشذب بعناية، لم يكن يضع نظارته، وكان شعره الذي طال منذ رأته آخر مرة مصففا دون مبالغة.
ظلت تراقبه وهو يجيب أسئلة الصحافة وتفكر.. كم يبدو مثاليا من وراء الشاشة.. لازالت هي تحت تأثير رسالة فارس والذكرى المقيتة التي جلبتها لها.. ولهذا أزعجتها مثاليته تلك.. أزعجتها وقفته المستقيمة وحركاته المليئة بالثقة والغطرسة كالعادة..
شيء واحد لفت نظرها، كانت على وجهه ابتسامة أوسع من العادة، عرفت أنه كان في مزاج جيد، مزاج جيد فعلا، لم تفهم لمَ هذا. فالمتوقع أن يكون مكتئبا، لا سعيدا.
تنهدت وظلت تتابع الحفل حتى انتهى.—
قبل هذا بعدة ساعات..
فتح حسام عينيه ببطء وهو يحس ببعض الصداع.. حاول أن يتذكر ماذا جرى وأين هو.. لقد نام دون شعور وهو جالس على كرسي مكتبه، وهذه لم تكن عادته مطلقا.
رفع عينه على الساعة ليجدها تقارب الحادية عشر ليلا.. تعجب.. لقد قضى ساعات كثيرة نائما.. على الكرسي وفي وضعية غير مريحة كهذه!
: مساء الخير.
انتفض بهلع حين سمع صوت يوسف صادرا من اللامكان.. نظر أمامه ليجد يوسف مسترخيا على الأريكة الجلدية الوثيرة الواقعة أمامه واضعا ساقا فوق ساق.. أحس بقلق بالغ.. هذا ليس طبيعيا.. شك أنه يحلم.
عدة رمشات ليبرمج الموقف ثم بحث بعينيه عن هاتفه المحمول، فنية يوسف السيئة كانت واضحة دون مجهود كثير.
لم يجد هاتفه على المكتب.. نظر إلى يوسف بعدوانية، ابتسم يوسف ربع ابتسامة ورفع الهاتف بين أصابعه: تبحث عن هذا؟
عض على شفته وسحب سماعة الهاتف الأرضي.. لم يصله صوت، الاتصال مقطوع. تنهد.. لقد فكر يوسف بكل شيء على مايبدو.
لم يحاول النهوض لاختبار الباب، إذا كان الاتصال مقطوعا عن الهاتف، فالباب مقفل دون شك.
ارتاح بعض الشيء على الكرسي ونظر إلى يوسف بعينين قاسيتين..: ماذا تريد؟
بلع يوسف ريقه ولم يجب للحظة.. كان خوفه قد صار أخف بكثير رغم أنه لم يختف تماما، وهذا لأنه لجأ للحل السحري، إبرته التي أقلع عنها منذ سنين. وصحيح أنها قللت خوفه ولكنها جعلته منفعلا ومضطربا وغير متزن.
هز ساقه بحركة عصبية ومسح سطح أنفه محاولا أن يهدأ.. انزعج حسام وقال بحدة: تكلم، ماذا تريد؟ ماهذا الذي تفعله ياولد؟
كان حسام قلقا بعض الشيء.. لقد عرف دائما أن يوسف سيأتي في وقت ما لينتقم منه.. لقد كان بانتظار هذا منذ نضج يوسف وصار قويا ومتمكنا.. ولكنه جهل ماذا سيكون هذا الانتقام وإلى أي مدى سيمضي يوسف فيه.
أنت تقرأ
يومٌ لا نهايةَ له
Romanceتعيش منال منذ طفولتها مع الوحش.. الوحش، والعائلة الوحيدة. هذه القصة محض خيال، ولا تشابه بينها وبين الواقع. فضلا، لا تنقل هذه القصة أو تنشرها في أي مكان. لا ينصح بقراءة القصة لمن هم دون ١٨ عاما. *مهم: لا تروج هذه القصة لأي شكل من أشكال العنف، وإنما...