أخذ يوسف الجالس على الأريكة في غرفته في الفندق يحدق في السقف.. كان السقف الأبيض أملسَ للغاية، لدرجةٍ استفزته.. قبض كفه ثم فرده مرة ومرتين.. أغمض عينيه وترددت الساعات الأخيرة في رأسه بوحشية، وكأنها ضجيج شديد يمزق طبلته.
لقد أخذ أباه فعلا إلى عيادةٍ صغيرة يلجأ لها في الحالات الطارئة، وأجبره على توقيع أوراق يقول فيها أنه موافق على إجراء العملية لأسباب صحية..
فقد حسام أعصابه حين رأى الأدوات الطبية وغرفة العمليات بانتظاره.. انهار وتوسل محاولا طرح حلول بديلة.. رأى يوسف الشخصية التي روّعته كل عمره، الرجل الذي لم يظهر له ضعفه أبدا، يتحول إلى كائن باكٍ ضعيف مثير للشفقة، لم ينفع الاستجداء مع يوسف شيئا، إنما تلذذ به، لدرجة أنه لم يعط أباه جوابا كي يجعله يستمر في الترجي وقتا أطول.. وظل يستلذ بذلك المنظر حتى شبع.. استلذ بمعاناة أبيه الذي كسر حتى بكى أمامه.
ذلك المشهد منحه شعورا غريبا للغاية.. جعله يحس أن وحشا غريبا ذي لون قاتم وأنياب قبيحة فتح عينيه في داخل صدره.. لا يعرف ماذا حصل له، ولكنه كان يوقن أن ذلك المنظر غيره إلى الأبد، وليس للأفضل على الإطلاق!
ذلك التغيير جعله يتوحش أكثر بعدها.. حيث أمر الطبيب أن يخدر حسام تخديرا موضعيا فقط، لاتخديرا كاملا.. وذلك كي يرى حسام كل شيء، كي يبقى واعيا فيما لسانه يُقص. وكي يتعذب لعجزه عن الحركة.. فهو سيضطر للاستسلام كي لا يعرض نفسه للخطر خلال الجراحة، وسيعاني بسكون تام.
كما بقي يوسف في المكان خلال العملية، كذلك على عكس ماخطط، فهو يكره الدموية كرها شديدا، ولكنه بقي طيلة الوقت يراقب ببرود.. يراقب أباه المرتعب الذي تساقطت دموع الهلع منه حين رأى لسانه يوضع أمامه على الطاولة بعد أن انتُزع منه.
لم يكلف يوسف نفسه بإيصال أبيه إلى بيته بعدها.. أمر رجاله برميه على بعد مسافة من العيادة.. كما أمرهم برميه دون كرسيه.. وبحكم إصابته لم يكن يستطيع المشي. وبالطبع، لم يكن يستطيع الكلام.. يمكنه أن يتكلم كلاما غير واضح حتى مع قطع لسانه، ولكن وقتها لم يكن يستطيع أن ينطق حتى، لأن فمه مخدر تماما.. وهكذا بقي حسام على الأرصفة مرميا يعاني ألم ساقيه الفظيع حتى اجتمع عليه المارة وساعدوه على الوصول إلى منزله. كم تلذذ يوسف بذلك المشهد أيضا. حيث راقبه من بعيد حتى أخذوه من هناك.فتح يوسف عينيه من جديد وهز رأسه بتعب محاولا طرد هذه المشاهد.. الآن كان خائفا، خائفا من كل شيء.. من نفسه، ومن هذا الوحش الذي استيقظ في داخله. وكان خائفا مما فعل.. يعرف أنه تمادى وتجاوز خطته الأصلية بمراحل.. لم يكن يندم لأن أباه لايستحق ذلك، وإنما لأنه عرف أن هذا القدر من الوحشية سيقوم بتشويهه هو، سيضره هو، وليس فقط أباه.
فرك وجهه بتعب وميل عينيه بخوف وتوجس إلى الطاولة أمامه حيث كانت علبة سوداء جلدية.. هذه العلبة كانت الشيء الذي يثبت إلى أي حد فقد عقله، إذ كانت تحتوي لسان أبيه.نظر إلى الساعة.. لقد جاوز الوقت ساعة نوم فارس.. تنهد.. كان بحاجة منال، بحاجتها لدرجة جنونية. لم يكن يريد إيذاءها، لقد أخمد الجانب المجنون في داخله وشبع بعد كل هذا الذي فعله اليوم.. ولكنه كان في حالة ضعف وأرادها أن تكون بجانبه فحسب.
مع ذلك.. لم يكن يريدها أن تأتي مجبرة، لم يكن يريد أن يزعجها أكثر من ذلك.
رفع هاتفه وأرسل لها باختصار، مجبرا نفسه بصعوبة شديدة على هذه الرسالة التي ستحرمه من وجودها: "لستِ بحاجة للمجيء."
ثم نهض، لم يكن ليبقى وحيدا، ليس وهو في مثل هذه الحالة.. ترك الفندق ذاهبا إلى الخيار الوحيد المتاح لرجل وحيد مثله.
أنت تقرأ
يومٌ لا نهايةَ له
Romanceتعيش منال منذ طفولتها مع الوحش.. الوحش، والعائلة الوحيدة. هذه القصة محض خيال، ولا تشابه بينها وبين الواقع. فضلا، لا تنقل هذه القصة أو تنشرها في أي مكان. لا ينصح بقراءة القصة لمن هم دون ١٨ عاما. *مهم: لا تروج هذه القصة لأي شكل من أشكال العنف، وإنما...