٢

5.4K 105 5
                                    


عادت من الجامعة في وقت متأخّر بعض الشيء.. كانت منهكة بعد يوم دراسيّ طويل، خصوصا أنّها لم تنم بالأمس تقريبًا بسببه.. استحمّت وانشغلت بالترتيب.. ملابسُه المرميّة أرضًا، السّرير الفوضوي، الدولاب، الحمام، الصّالة، الأطباق في المطبخ، تجهيز الطعام..
كان هذا كثيرًا.. اقترب موعد عودته وكانت ستنهار لشدّة الإنهاك.. رمت نفسها على الكنبة واستلقت بتعب قائلة لنفسها أنها ستكون قيلولة بسيطة فقط قبل عودته، فالنّوم قبل مجيئه يشبه الجريمة في هذا المنزل! أغمضت عينيها بتعب وغفت ولم تعد تشعر بشيء..
عاد بعد حوالي ساعة من ذلك.. فتح الباب ودخل مرهقا جدا هو الآخر.. سحب نفسًا مرتاحًا حين شعر بالرائحة العطرة التي يفضّلها تملؤ المنزل و بالإنارة الخفيفة المريحة لأعصابه.. خلع حذاءه ورماه بلا اهتمام بجوار الدولاب.. الترتيب ليس مهمّته على الإطلاق!
شعر بالاستغراب، عادة تكون هي في استقباله فور دخوله!
دخل الصّالة وهو يخلع سترته، قطّب حاجبيه حين رآها نائمة.. تحرّك نحوها وهو ينوي أن يصرخ في وجهها بعدّة كلمات تجعلها تندم.. وربّما سيعاقبها بعدّة ضربات.. ولكنّه تسمّر مكانه حين اقترب منها.. وجهها متعبٌ وأنفاسها هادئة.. كانت مستغرقة وآمنة بحيث لم يستطع أن يفعل شيئا! نومُها خفيف جدًا وعادة هي تستيقظ من أبسط حركة، ولكنّها لم تشعر به حتى الآن وهذا دلّه على مقدار تعبها!
رمى السّترة على الكنبة وانحنى وحملها ببطء وحذر، ارتخى رأسها على صدره، تنهّد وأخذها إلى السّرير.. وضعها في مكانها وغطّاها بحرص.. اغتسل.. رمى نفسه بجوارها ونام..
..
حين فتح عينه صباحًا، لم تكن بجواره.. تثاءب ونام على ظهره محدقا في السّقف.. لحظات اللاشيء هذه يقضيها غالبا عندما يستيقظ كي يحسّن مزاجه.. نهض بعد دقائق، استحمّ وارتدى ثيابه.. خرج إلى الصّالة.. شعر بالرّاحة حين رأى كلّ شيء مرتّبا.. رائحة القهوة اخترقت أنفه وهي الشيء الذي يفترض أن يكون جاهزًا له كلّ صباح دون أن يتكلم.. إذن فقد عوّضت موضوع نومها المبكر بالأمس واستيقظت قبله وأنهت أعمالها.. لا حاجة للغضب.
كان مزاجه متكدّرًا لأنه كان مضطرا لزيارة بيت عائلته اليوم.. ذلك البيت بالنسبة له كالجحيم.. ذهب إلى المطبخ وصبّ قهوته من الإبريق في كوبه الذي كان جاهزًا أيضًا.. هذه التفاصيل الدقيقة مثل الكوب وحرارة القهوة وملعقة الخلط التي يجب أن تكون جاهزة تهمّه كثيرا.. وإذا لم تتقنها كلّها فستُحاسب. وهي اعتادت على هذا..
خرج من المطبخ حاملًا كوبه وهو يتساءل عن مكانها.. لا يطيق الوِحدة ولا يتحمّل البقاء وحيدا.. ولهذا اعتادت أيضا على الجلوس في الصالة..
عندما خرج إلى الصالة كانت هناك، ويبدو أنها خرجت عندما شعرت باستيقاظه.. سحبت نفسًا حين دخل الصّالة.. كانت تجلس على الكنبة منشغلة بالمذاكرة من كتابٍ معها، وكوب القهوة في يدها.. حدّق بها ثمّ قال بصوتٍ هادئ: صباح الخير..
رفعت عينيها عليه، اضطربت قليلًا ثمّ قالت بهمس: صباح النور..
كان يقلقها أن يغضب لأجل نومها المبكّر في الأمس.. ولكنّه لم يكن يبدو عليه الغضب.. بدا هادئا بشكل غريب.. جلس على إحدى الكنبات، فتح التلفاز على قناة إخبارية ورفع الصّوت، مرت فترة وهما جالسان بصمت كالعادة..
كان يتأمّلها من حين لآخر.. بدت له مرهقة، وملامحُها صفراء.. قال بهدوء: لا تبدين بخير؟
قالت دون أن ترفع عينيها: أنا بخير..
كاد أن يتكلّم ولكن صوت هاتفه ارتفع، كان هاتفه موضوعًا على الطاولة بجوارها في سلك الشاحن.. قال بهدوء: من المتّصل؟
قطّبت حاجبيها ونظرت إلى الهاتف.. امتعضت وقالت بصوت متردّد: والدُك.
تغيّر وجهه وظهر عليه الضيق.. مدّت له الهاتف بسرعة.. تناوله منها وسحَب نفسًا ثمّ أجاب بصوتٍ بارد: نعم؟
وصله صوت فيه سخرية كثيرة: لا يجيب الأبناء آباءهم بكلمة نعم.. خصوصا عندما تمرّ عدة شهور منذ محادثتهم الأخيرة.
: ماذا تريد؟
: ستأتي اليوم إلى المنزل لتناول العشاء معنا.. عندي ضيوفٌ مهمّون من وعليك أن تكون موجودًا!
: أخبرتَني في رسالتك مسبقا.
: ولكنّك لم تجبني!
ضغط على أسنانه وقال: سآتي.
: ولن تتحدّث بشأن ابنة أحمد التي تبقيها عندك عندما تكون في منزلي، يعرف الجميع طبيعة علاقتنا مع تلك العائلة!
أحس أنّه سينفجر.. أغلق الهاتف دون رد ورماه بجواره وأطلق نفَسًا حادًا.. عدّة ثوانٍ هدأ فيها قليلا ثمّ خفض نظره إليها.. كانت قد رفعت عينيها عليه حين لفت نظرها صوت الهاتف المرمي.. قال بعصبية: لا تنظري إليّ هكذا!!
أبعدت عيونها عنه فورًا لأنّ موضوع أبيه حساس جدًا ويصيبه بالجنون.. قالت بهدوء: كنتُ أ....
أجاب بحدّة: اسمعيني، نظرة الشفقة هذه إن تكرّرت فإنني سأقتلع عيونكِ! أنا لا أمزح!
انكمشت بخوف.. هي تعرف أنّه مجنون.. ولو غضب فلايستبعد أن يفقأ عينيها.. لا تعرف من اين اخترع مسألة الشفقة هذه، كان من الواضح لها أنه يبحث عن أي عذر كي يفرغ غضبه عليها.
قالت بهدوء كي لا تمنحه مايريد: أنا آسفة.
نهض وهو يقول ببرود: لن تذهبي إلى الجامعة اليوم! هل تفهمين؟
قالت باضطراب: لديّ امتحانٌ اليوم!
: أعرف ذلك. ولكنّكِ لن تذهبي. انتهى.
ظهر الضيق على وجهها وقالت بانزعاج: ماشأن ذهابي بانزعاجك من والدك؟
التفت إليها بنظرة مخيفة فسكتت وشعرت بالنّدم.. ليس من عادتها معارضته..
تحرّك باتّجاهها.. سحب الكتاب من يدها بخشونة ورماه بعيدًا.. شعرت بكلّ عضلة في جسمها ترتجف مع نظراته التي كانت تكويها.. أمسك بمعصمها وسحبها لتقف ببساطة.. كانت عيونه ثابتة في عينيها بنظرة باردة.. ارتعشت حين سحب حزامه من وسطه.. أغمضت عينيها وقالت بخوف: لا تفعل..
ضغط على معصمها أكثر وأكثر وهو يمسك الحزام بإحكام بيده الأخرى.. قال بهدوء: كيف تحبّين أن أضربك؟ هل تفضّلين المقاومة وإيذاء نفسك والتعرض للإهانة أكثر؟ أم أنّك ستبقين في مكانك ووتتحمّلين عقابكِ بصمت؟
قالت هامسة: أنا لم أفعل شيئا يستحقّ غضبك.
اجاب من بين أسنانه: مجرّد نقاشكِ لما أقوله يستحقّ غضبي!
وضع الحزام جانبًا وسحب ربطة عنقه.. دفعها بخشونة ليصبح ظهرها مواجهًا له.. أفلت معصمها وربط معصميها ببعضهما بقوّة وإحكام خلف ظهرها بربطة عنقه، مزق قميصها بخشونة ورماه بعيدا وهو يمسكها عن طريق الجزء المتبقي من ربطة العنق.. تأمّل ظهرها الذي لم يسلم من بعض آثار إيذائه الطويل لها.. أمسك الحزام مجددا.. كانت تقف وهي تنتفض بصمت.. مادام قد قرّر أنه سيعاقبها فلا مناص من ذلك..
رفع الحزام وهوى به على الهواء فانتفضت.. كان الصّوت المخيف الذي صدر يشبه تحذيرًا للألم الذي ستتلقاه الآن.. لحظات ورفع الحزام مرة أخرى وهوى به على ظهرها فتأوّهت بصوت مكتوم وانحنت.. شدّ الحبل الذي يمسكها به فاستقامت مرّة أخرى وهي تتنفّس بحدّة.. كانت تعرف.. إنّه يفرغ طاقته السّلبية.. الضغط الذي يعرّضه له والده تكون هي ضحيّته.. إنه ينفّس عن غضبه وكراهيته في جسدها ثمّ يخرج ليمارس حياته وكأنّه لم يفعل لها شيئًا! إنه لا يهتم طالما هي لا شيء في حياته سوى كيس ملاكمة وخادمة و تسلية في السّرير.
رفع يده وهوى بالحزام على ظهرها مرة أخرى بكلّ قوّته.. اهتزّ جسدها.. انحنت فشدّها مرة أخرى وصارت ضرباته أكثر سرعة.. يلسعها لسعات سريعة وقويّة وهو يجبرها على الوقوف باستقامة عن طريق شدّ ربطة العنق التي يربط بها يديها.. فقدت قدرتها على التحمّل وبدأت تصرخ صرخات مكتومة، امتلأ ظهرها بالجروح وآثار اللسعات وبدأ الدّم يتسلّل منها ولكنّه لم يرحمها.. فقدت القدرة على التحمّل فهوت على ركبتيها.. صار الضرب بالنسبة له أسهل وهي تحته وصارت الضربات أكثر قوّة وهي تنتفض مع كلّ ضربة.. لم تبكِ.. لم تذرف دمعة واحدة ولكنّها تحمّلت الألم بصمت وبآهات تحاول كتمانها..
لم يكن وقتًا قصيرًا حتى انتهى.. كانت قد انهارت وأوشكت أن تفقد وعيها.. مسح حزامه بمنديل بحركة سريعة ثمّ ارتداه مرة أخرى.. فكّ ربطة العنق عن يديها ثمّ أمسكها من عضدها بخشونة لتقف أمامه.. كان جسدها مرتخيًا ولم تكن تملك الطاقة للوقوف.. رماها بقوّة على الكنبة.. كانت تتنفّس بحدّة وتغمض عينيها بقوّة كي لا تراه.. رمى ربطة العنق حول رقبته ثمّ وقف أمامها وقال ببرود: اربطيها لي..
فتحت عينيها بصعوبة محاولة أن تفهم عن ماذا يتكلم.. كانت ترى بشكلٍ مشوّش ولم تستوعب فعلًا مالذي يريده..
صرخ بها بأعلى صوته صرخة جعلتها تعود لوعيها: اربطي ربطة العنق أيتها ال****.
انتفضت.. وقفت بصعوبة ومدّت يديها المرتجفتين.. أخذت تحاول ربطها له ولكنّ نفضة يديها الشديدة وتشوش بصرها يمنعانها.. كانت تقف أمامه مباشرة، قريب جدا منها ويضع يديه في جيوبه ويتأمّلها بنظرات باردة وهي تحاول إتقان ما تفعله.. أنهت الربط.. ابتسم ببرود وقال: أحسنتِ..
رفعت عينيها بضعف عليه.. لم تعد تستطيع الوقوف أكثر.. أو تحمّل رؤية وجهه أكثر.. كانت متعبة جدًا وتنتفض من البرد والألم فهي لا ترتدي في جزئها العلوي سوى ملابسها الدّاخلية.. مرّر كفّه على خصرها وقال بهمس: هذا أرقّ عقابٍ يمكنني أن ألحقه بكِ عندما تناقشين ما أقوله.. وأنتِ تعلمين ذلك.. أتمنى أنّكِ تعلّمت درسكِ..
أغمضت عينيها.. همس باستفزاز: لا.. لا ياحبيبتي الصغيرة.. افتحي عينيكِ.. تعرفين أنّني أحبّ أن تودّعيني بشكل لائق قبل ذهابي..
فتحت عينيها غير مجترئة على المقاومة.. فققال بابتسامة: قُبلة.. قبل أن أخرج..
ضغطت على أسنانها بقوة.. كان يستمتع بتأمل انفعالاتها تلك.. بانهيارها الكامل أمامه.. بضعفها الذي يسلّيه دائما! رفعت نفسها على أطراف أصابعها بصعوبة.. وضعت كفّيها على كتفيه وأغمضت عينيها وقبّلت شفتيه بنعومة.. أغمض عينيه وبادلها قبلتها بأسلوب أكثر حرارة وهو يمرّر كفّه على خصرها.. طالت القبلة وهي لم تجرؤ على الابتعاد حتى يأذن لها.. لحظات وابتعد دافعًا إياها بلطف ولكنّه ثبتها بحيث تكون قريبة جدا منه.. همس: إلى اللقاء يا حلوتي..
دفعها ثمّ تحرّك مغادرا.. بقيت متجمّدة في مكانها حتى سمعت صوت انغلاق الباب.. لحظات وسقطت أرضًا فاقدة وعيها..

يومٌ لا نهايةَ لهحيث تعيش القصص. اكتشف الآن