١٩

3K 55 2
                                    

بعدها كانت الأيام هادئة.. لم تكن تحب الأيام التي يكون فيها السلام مكثفا.. لأنها تعرف أن مابعدها سيكون شيئا في قمة البشاعة..
كانت تفكر في هذا أثناء ترتيبها للمنزل بعد عودتها من الجامعة.. سمعت صوت الباب وتذكرت أن هذا وقت عودة فارس من مدرسته.. قطبت حاجبيها حين سمعت صوتا عاليا..
تحركت بسرعة نحو الباب..
: لماذا؟؟؟؟ لماذا لن أكلمه؟؟؟
كان هذا صراخ فارس الحاد في وجه والده الذي كان يبدو مرعبا.. كان يحدق بابنه بنظرات كالنار ولاينطق بحرف.. بينما وجه فارس أحمر وغارق بالدموع..
قالت منال ببعض الخوف: ما الأمر؟ ماذا هناك؟
تحولت نظرات يوسف الحادة لها..ثم تحرك كالسهم مارا بجانبها حتى دخل غرفة مكتبه وصفق الباب خلفه بشدة انتفض منها فارس..
التفتت لفارس مجددا.. قالت بقلق: فارس!! ماذا يحدث؟
كان فارس منخرطا بالبكاء.. شهقاته سريعة وصدره يرتفع ويهبط.. تحرك نحوها بسرعة وعانقها بكل قوته.. حملته وهي تمسح على شعره محاولة تهدئته.. بقيت معه حتى هدأ.. أعدت له مشروبا وبقيت معه حتى نام..
كان مستلقيا على سريره وهي بجانبه تعبث بشعره.. تحركت بخفة لتخلع جاكيته حتى ينام مرتاحا.. قطبت حاجبيها حين رأت شيئا ما على ذراعه.. بلعت ريقها.. كانت أثار قبضة.. قبضة اشتدت على ذراعه حتى تركت أثرا أحمر طفيفا!
ارتجفت.. تركته وتحركت بسرعة البرق إلى غرفة المكتب.. فتحت الباب دون طرق.. التفت يوسف الذي كان على الكنبة للباب بحدة.. لم ينطق حين رأى في عينيها غضبا غريبا..
تقدمت للداخل وأغلقت الباب خلفها وغمغمت: لقد آذيته!!!!!
قطب حاجبيه بعدم فهم.. احتد صوتها وارتفع: لقد آذيت ابني!!! لقد تركت عليه أثرا كعشرات الآثار التي تركتها علي! أيها الـ...
قاطعها بعصبية وهو ينهض: هل جننتِ؟ ماهذا الهراء؟؟؟؟
كانت أنفاسها شديدة السرعة..: قبضتك مطبوعة على ذراعه.. قبضتك اللعينة اشتدت على ذراعه.. أيها الملعون.. هل تظن أنني سأتركك تؤذيه؟؟؟ هل تظن أني سأسمح لك أن...
قطع كلامها بصفعته السريعة.. التفت رقبتها بشدة.. عضت على شفتها والتفتت له بحقد لتتابع كلامها، لكنه سبقها بعينين تشتعلان بالغضب: اخرسي..
قبل أن تتكلم كان يخرج من الغرفة بخطوات سريعة.. ذهب إلى غرفة فارس وتفحص ذراعه بتوتر.. رأته واقفا عند سريره يتأمل الأثر.. ثم أفلته ببطء وتحرك مغادرا.. مر بجانبها، قبض على عضدها بخشونة وسحبها معه عائدين إلى المكتب.. دفعها إلى الداخل وأغلق الباب وأقفله..
نظرت إليه بكراهية وقالت: أيها القذر.. ايها الملعون.. سأقتلك! هل تفهم؟ سأستأصل رأسك!
كانت تتكلم بحدة وانفعال وسط انفاسها فيما كان هو يتحرك بسرعة باتجاهها.. قبض على فكها بقسوة وسحبها باتجاهه: قلت لكِ.. اخرسي!
دفعها بعصبية وقال: لم أشعر بمافعلت.. هل تفهمين؟ أنا لم أرد إيذاءه!!! لم أعرف أنني فعلت!
قالت بعصبية: هل أنت غبي؟ لقد عصرت يده!!! طحنت يد طفل أيها القذر!
كانت أعصابه على وشك أن تنفجر.. تحرك نحوها بغضب أعمى وبحركة سريعة ضرب بطنها بركبته بقوة هائلة.. شهقت فاقدة القدرة على التنفس وانحنت ساقطة على ركبتيها.. زاغ بصرها لشدة الألم فيما عاجلها بركلة أخرى على جنبها.. سعلت بشدة محاولة التنفس باستماتة فيما انحنى نحوها وسحبها من شعرها.. غمغم: لقد كنت سأعزل نفسي حتى أهدأ.. لكنكِ.. لكنكِ جنيتِ على نفسكِ.. كعادتكِ.. تريدين أن تكوني دميةً للتنفيس عن غضبي..
دفعها على الأرض وركلها مجددا في بطنها.. هذه المرة كان سعالها مصحوبا بكومة من الدم..
تحرك بخطوات سريعة وسحب سوط الخيول الموجود في تلك الغرفة.. وعاد إليها بعينين تشتعلان.. نهضت بصعوبة.. استندت على الكنبة وتمتمت بصوت مخنوق: لا تفعل..
أجابتها صفعة جديدة رمتها على المنضدة لتنكسر المنضدة وتسقط هي على الأرض.. رفع السوط وهوى به عليها.. انتفضت وصرخت بألم.. تحركت بسرعة ووقفت أمامه.. أمسكت يده الممسكة بالسوط وقالت بصوت بالكاد خرج: لا تؤذني.. سأفعل ماتريد.. لاتؤذني..
قبض على معصمها ولواه وغمغم: اخرسي.. إنكِ مجرد خادمة، بالطبع ستفعلين ما أريد..
أغمضت عينيها وتكلمت بسرعة وبصوت خافت بالكاد ظهر بين أنفاسها: لن أناقشك في أي شيء.. لن أرفع صوتي عليك ولن أجادلك بحرف واحد وسأطيعك بشكل أعمى.. لا تؤذني.. أنا لم أعد أتحمل ذلك..
كانت تنتفض بشدة ولم تكن تهتم بأي شيء سوى بالتخلص من الأذى.. لقد صار الألم كابوسا ولم تعد تستطيع تحمله..
سكت وهدأ بعض الشيء.. إنها تقول هذا لأول مرة.. وهذا عنى أنها فعلا لم تكن ستتحمل الآن..
أفلت السوط وشدها إليه مضاعفا ضغطه على معصمها: تقولين أنكِ سترضخين مجددا.. ستكونين تلك العبدة المطيعة دون أن تضطريني إلى تأديبك؟
قالت بصعوبة: طالما لا تؤذيني ولا تؤذي فارس.. سأفعل ما تشاء.. أفلتني.. أرجوك..
سكت لحظات.. إنها تتجاهل إهاناته.. إن هذا يزداد غرابة.. شدها أكثر نحوه وقال ببرود: تقولين.. أي شيء؟
شهقت محاولة استجماع أنفاسها: أي شيء.. أي شيء يايوسف.. اترك يدي.. أنت تؤلمني..
فكر لحظات ثم أفلتها بهدوء.. دلكت معصمها بتعب شاعرة بدوار شديد بعد كل هذا الأذى.. قال بصوت بارد: نحن نتفق اتفاقيةً هنا.. طالما لا أمسكِ بأذى ستكونين دمية تفعل ما أريد.. وفي حال نقضتِ هذه الاتفاقية -كبر التهديد في صوته- ستتمنين لو أني قتلتكِ.. هل تفهمين مانقول..؟
شدت ذراعيها حولها وتمتمت: نعم..
: انظري إلي..
رفعت عينيها الزائغتين عليه.. ارتجفت حين ابتسم.. ابتسامة كانت مليئة بالشر.. بالقسوة.. بالكثير من الرعب..
قال بصوت هادئ: لنجرِ تجربة إذا.. -سحب نفسا- أريدكِ أن تنخفضي على ركبتيكِ.. وأن تعرّي جزئي السفلي..
أغمضت عينيها.. سحبت نفسا عميقا.. ثم جلست على ركبتيها أمامه.. فكت حزامه بيد مرتجفة وخفضت بنطاله.. بقي الشورت عليه.. استطاعت رؤية عضوه الذي بدأ بالارتفاع.. شعرت بالغثيان وتسمّرت للحظات.. شعرت بكفه تضرب رأسها ضربة خفيفة: تحركي..
خفضت الشورت وحدقت في عضوه الذي كان بانتظارها.. رفعت عينيها إليه.. حدق بها بعينين باردتين قاسيتين..: تعرفين ماذا تفعلين الآن..
لم تكن قد فعلت هذا من قبل إلا مرة واحدة.. كانت صغيرة.. أجبرها على فعله وبقيت بعده ثلاثة أيام تتقيأ كل ما تأكله.. ولم يجبرها عليه مجددا..
أغمضت عينيها واقتربت ببطء.. سمعت صوته الجاف: لا.. لا ياعزيزتي.. لاتغمضي.. عليكِ أن تنظري إلي..
حدقت به.. كانت نظرة تميل إلى الفراغ.. انفرجت شفتاها ثم انزلقت عليه بنعومة.. شعرت بكفه تمر على شعرها بخفة.. زادت سرعتها شيئا فشيئا.. سمعته يتنهد مرة ومرتين.. أسرعت أكثر، وصلت أعمق.. ثم شعرت به يمسك رأسها ببعض الخشونة ويجبرها على تركه يصل عميقا، ثم يثبتها في ذلك الموضع.. شعرت بالاختناق وتحشرجت محاولة الابتعاد.. أجبرها على البقاء لثوان قبل أن يفلتها.. التقطت أنفاسها وتابعت حركتها، صار يكرر مافعله كل بضع مرات.. في المرة الأخيرة شعرت بسائل رطب ساخن ينزلق في بلعومها.. ثم ابتعد عنها، شعرت بقرف شديد وكادت أن تتقيأ، لحظتها كان يجلس على ركبة واحدة يطبق بكفه على فمها.. نظر إلى عينيها وغمغم: ابتلعي..
ظل ممسكا بفمها بقسوة مانعا إياها عن التقيؤ حتى هدأت أنفاسها.. أفلتها ونهض من مكانه.. رفع بنطاله وتحرك خارج الغرفة وقال ببرود: نظفي هذه الفوضى التي أحدثتِها ثم استحمي..
ظلت متسمرة في مكانها حتى سمعت صوت باب الحمام يغلق.. لقد ذهب ليستحم..
فكرت وهي تشعر بلزوجة في عقلها.. ماذا فعلت؟ وكيف فعلت ذلك؟ لقد باعت نفسها مقابل التخلص من الألم.. لقد كان خوفها من الأذى أهم من كرامتها المهدرة.. تنهدت بتعب شديد.. لقد تعبت من القتال.. تعبت من المقاومة.. إذا كان بيع نفسها له سينجيها وابنها من الأذى.. إن كانت طاعته العمياء ستحميها من الألم، فلا بأس.. ستطيعه.. هي تفهم أنها على أي حال تطيعه، لكن، إما بألم أو بدون.. وهي هنا تتخذ القرار الأكثر تعقلا..
لا أحد في العالم يستطيع حمايتها منه.. إنه كالوحش في قوته.. إن الشرطة تغير كل سياساتها بأمر منه.. ليس وكأنها لم تجرب من قبل.. إن ذهابها لأي جهة رسمية لا يغير شيئا.. وإنه لاتوجد قوة في الدولة تستطيع تخليصها منه..
تنهدت ونهضت بصعوبة شاعرة بألم شديد في بطنها.. حدقت بالدم على الأرض وبالمنضدة المكسورة.. ابتسمت ابتسامة ساخرة.. "الفوضى التي أحدثتِها".. قذرٌ لعين..
جرت نفسها بتثاقل لتنظف المكان..
__
مضى باقي اليوم دون أن تراه حيث كان خارج المنزل.. استيقظ فارس وأخبرها بما حصل فيما كانا يتناولان العشاء..
: أممم.. إنه جدي..
قطبت حاجبيها..: جدك!!
هز رأسه بالإيجاب وقال بتردد: والدكِ.. إنه.. لقد زارني في المدرسة عدة مرات.. وأحضر لي الحلوى.. وقال أنه يريد أن يكون صديقي دون أن يعرف أي منكم..
تنهدت بتعب..: كيف لا تخبرني بهذا منذ البداية يافارس؟
أطرق: أنا آسف.. ولكن.. قال لي أن ذلك سيزعجكِ.. وأنه فقط أراد التعرف علي.. و..لقد خفت أن تمنعيني.. و.. أريد أن يكون عندي جد.. إن جدي لطيف.. وطيب..
قالت بلطف: أفهم ذلك.. لكن.. يجب عليك أن تخبرني بكل شيء، يافارس.. قد يقول لك شخص آخر سيء كلاما كهذا، يجب أن نعرف أنا ووالدك مع من تتكلم.. اتفقنا؟ هل تعدني؟
تغير وجهه حين جاء ذكر والده.. قال بهمس: حسنا..
ابتسمت وداعبت شعره: أنت رائع.. شكرا لك..
ابتسم.. ثم ذابت ابتسامته وتابع: لكن.. أبي غضب كثيرا.. عندما رأى جدي معي.. وأبعدني عنه.. وتشاجرا.. ثم.. لم يتكلم معي أبي بعدها..
تنهدت..: إنه ليس غاضبا منك.. إنه غاضب من جدك.. وهذا لأن بينهما خلافا.. إن أباك لايقصد إزعاجك يا عزيزي.. وسنتصل أناوأنت بجدك ونتكلم معه.. ما رأيك؟
ابتسم براحة: حسنا.. ولكن.. اممم.. ماما.. لماذا لم تخبريني عن جدي من قبل؟ لماذا لا يزورنا مثل جميع أصدقائي؟ هل لدي جدة؟ وأين أم وأب بابا؟ لماذا لا نتكلم معهم؟ لماذا ليس حولي أخوال أو أعمام؟
تنهدت.. لقد كبر فارس وبدأ يعي عزلتهم غير المنطقية.. إنهم لايحتكون بأي مخلوق.. والأشخاص الوحيدون الذين يقابلهم هم الأطفال في المدرسة والأنشطة الأخرى.. كانت تعرف أن هذا سيء.. لكن.. لم يكن لديها حل آخر..
قالت بهدوء: من الطبيعي أن تسأل عن هذا يافارس.. لكن الأمر معقد بعض الشيء.. إننا لسنا عائلة عادية.. إن أصدقاءك لديهم عائلات عادية.. يزورون بعضهم البعض، لكننا لسنا كذلك.. إنني ليست لدي علاقة جيدة مع والدَي.. وهذا سيء وخاطئ.. لكنه لم يكن بسببي.. هل فهمت ما أعني؟ والأمر كذلك بالنسبة لأبيك.. لكن جدك شخص رائع.. ولديك عمة رائعة، سنطلب من أبيك تعريفك عليها.. اتفقنا؟
كانت سارة قد طلبت عدة مرات من يوسف أن تلتقي بفارس.. لكنه رفض بخشونة.. لم يكن يريد أن يحتك أي شخص من عائلته بفارس.. وكان هذا طبيعيا..
قال فارس بفضول: لكن.. لماذا ليست لديك علاقة جيدة معهم؟ ولماذا أبي لايحب عائلته؟ لماذا تفعلون هذا مادام خاطئا..
لم تعرف كيف ستشرح هذا.. كانت في موقف صعب.. قالت بلطف: هذه أمور تخص الكبار، ومع ذلك سأخبرك.. لقد كان أبي مشغولا جدا عندما كنت صغيرة، ولهذا سافر وتركني.. وكذلك أمي.. ولهذا ليست لدي علاقة جيدة معهم الآن لأنهم تركوني وحيدة عندما كنت صغيرة واهملوني.. وهذا تصرف سيء جدا.. والآباء والأمهات لا يفعلونه أبدا يافارس.. مطلقا.. وأنا مثلا يستحيل أن أفعله.. هل فهمت قصدي؟
هز رأسه بالإيجاب.. كان يبدو عليه التأثر.. قال بضيق: كيف يتركونكِ وأنتِ صغيرة.. من اعتنى بكِ؟
ابتسمت: هنا جاء والدك وقام بمساعدتي، لقد اعتنى بي ولم يتركني وحدي أبدا رغم انه لم يكن كبيرا.. ولهذا كنت سعيدة دائما..
كانت على وشك الانفجار من الضحك.. والبكاء في آن واحد.. كانت هذه الكذبات هائلة جدا حتى لو كانت تقولها لحماية طفل صغير..
ظل فارس يسألها أمورا بخصوص طفولتها.. وبالطبع، اضطرت لاستعمال مخزون هائل من الكذب والهراء..
سمعا صوت الباب أثناء حديثهما.. توتر فارس وتوقف عن تناول الطعام.. قطبت حاجبيها بتساؤل.. قال بتردد: إن.. إن أبي غاضب مني..
قالت بهدوء: أخبرتك أنه ليس كذلك يا فارس..
أطرق وتمتم بصوت مخنوق: لكنه.. لقد صرخ علي.. لقد صرخ علي بصوت عالٍ جدا..
كانت تفهم تأثير ماحصل على فارس.. إن هذا يحصل لأول مرة.. إنه لايحتك بوالده أصلا.. وحين حصل بينهما شيء من الاحتكاك، كان صراخا لا رحمة فيه..
: عليك أن تتكلم معه.. اذهب الآن واعتذر منه لأنك لم تخبرنا بشأن جدك.. وسوف ترى أنه سيعتذر لك هو أيضا..
هز رأسه بالنفي برعب واضح.. قالت بجدية: هل تحب البقاء متخاصما معه؟ إنه لا يحب إحزانك.. أعدك أنك ستشعر بالراحة بعد الكلام معه..
استمرت في إقناع فارس حتى نهض متثاقلا.. تحرك باحثا عن أبيه.. طرق باب غرفته بتردد.. جاء صوت يوسف جافا من الداخل: تعالي..
: اممم.. بابا؟
قطب يوسف حاجبيه بصدمة.. فارس يناديه؟ سحب نفسا عميقا وترك ماكان في يده وفتح الباب بهدوء.. حدق بفارس الذي كان مطرقا.. رفع عينيه على أبيه وقال بسرعة: أنا آسف لأنني لم أخبركما عن جدي.. لقد.. لم أرد أن أغضبكما.. -غرقت عيناه- و.. لم أرد أن تمنعاني من رؤيته.. و...
قطع كلامه حين انخفض يوسف على الأرض حتى صار بمستواه.. وركز عينيه في عينيه.. قال بصوت شديد الهدوء: أنا لست غاضبا منك.. وأعرف أنك لن تفعل هذا مجددا.. ليس عليك أن تحزن..
ابتسم فارس ابتسامة مضطربة ومسح دموعه بسرعة.. تابع يوسف بجدية: اسمعني جيدا يافارس..
حدق به فارس بقلق.. لم يعرف إن كان غاضبا أو جادا أو سعيدا.. إنه يكلمه دائما بنفس النبرة، وبنفس الملامح الصلبة..
سحب يوسف نفسا عميقا وقال: إن بيني وبين جدك خلاف طويل، ولقد خفت عليك، ولهذا غضبت حين رأيته معك.. ومع ذلك، لم يكن يجدر بي أن أصرخ عليك.. وبعيدا عن كل ذلك.. -سحب نفسا آخر وقال بصوت أكثر ليونة- لقد آلمت ذراعك.. عليك أن تعرف أنني لم أقصد هذا، ولم أرد فعله، وأنني شديد الأسف.. أنا آسف بشدة، لن يحصل هذا مرة أخرى مطلقا.. هل سامحتني يافارس؟
ابتسم فارس وبحركة عفوية عانق والده: لم تؤلمني.. ومع ذلك سامحتك
تنهد يوسف.. بقي جامدا في مكانه.. لم يكن يستطيع معانقته.. تمنى أن يدفعه عنه ولكنه تماسك حتى ابتعد فارس مبتسما.. كان معتادا على جفاء والده ولهذا لم يهتم.. نهض يوسف وقال بهدوء: تصبح على خير..
دخل قبل أن يتيح لفارس فرصة الرد.. عاد فارس لمنال التي رافقته حتى نام.. ثم جمعت كل قوتها قبل أن تدخل إلى غرفتهما.. عالمة أنها لن تكون ليلة سهلة..
كان منشغلا بخلع ملابسه أمام باب الحمام حين دخلت.. التفت إليها، واقفا بالشورت وبقميصه الأسود.. قال بصوت بارد: أهلا وسهلا..
تنهدت.. إنه في المزاج الذي يجعله يعبث بها دون رحمة.. قالت بصوت هادئ: هل تريد مني شيئا؟
قال وهو يتحرك دون اهتمام لداخل الحمام: بالتأكيد، اخلعي ملابسك واتبعيني.
لم تناقش، ولم تكن لديها طاقة لتفكر. أرادت أن ينتهي كل شيء بأسرع مايمكن..
رمت ملابسها على الأرض ودخلت الحمام بوجه بارد.. كان واقفا في المغطس منشغلا بتعديل حرارة الماء. كل شيء ذكرها بالاغتصاب الوحشي الذي حصل هنا منذ فترة.. التفت إليها وقال بحدة: فيم تحدقين؟ تحركي!
تحركت من فورها، دخلت معه تحت تيار الماء الساخن، شهقت حين بحركة سريعة دفعها على الجدار بقوة.. قبض على ثدييها بكفيه وقبل شفتيها بشهية.. قضيا دقائق في قبلات حارة وسريعة قبل أن تنزلق يده بين فخذيها.. شدت جسمها حين شعرت باصبعه ينزلق داخلها.. قبضت يدها التي كانت مرتخية على كتفه من حول رقبته وأفلتت منها آهة.. أسندت رأسها على كتفه وضمت فخذيها على أصابعه.. همس في اذنها: لا تستطيعين مقاومتي.. ارتعش جسمها وسط أنفاسها السريعة.. شهقت حين أحست به يفلتها ثم يضع كفيه تحت فخذيها ويرفعها إلى الأعلى.. لفت ذراعيها حول رقبته كي لا تسقط فيما أسندها على الجدار، اقترب منها وبنعومة انزلق داخلها.. هذه المرة أفلتت من كليهما آهة.. شدت جسمها مقتربة منه.. كانت متعبة ومجهدة وكان جسمها يستنجد من أجل التنفيس عن ضغوطه.. دفنت وجهها في رقبته ودفعت حوضها باتجاهه مع كل مرة اندفع هو داخلها.. دفن هو الاخر وجهه في رقبتها وتنفسها بكل ماتسع رئته..
تأوهت وتخللت أصابعها شعره بانفعال، بينما شد كفيه على فخذيها بقوة.. لحظات وارتخى كل منهما مطلقا نفسا عميقا.. ظلا ثابتين للحظات على وضعهما.. كانت تحس بأنفاسه السريعة تصطدم برقبتها.. بكفه تمر على ظهرها.. بخشونة شعيرات وجهه.. وأحس هو بنعومة وجنتها المرتخية على وجنته.. بكل خلية من جسدها الملاصق له..
تنهد وخفضها بخفة حتى وضعها على أرضية المغطس ثم جلس بهدوء بجانبها، بعد لحظات استرخاء وقعت عينه على الكدمات في بطنها.. تنهد ومرر كفه على الكدمة التي كانت تبدو الأسوأ.. دلكها بخفة.. قال بهدوء: لقد مضيت أبعد مما يجب.. ضمت ساقيها إليها محاولة إخفاءها.. قالت بضيق: هل تريد مني شيئا آخر؟ هل يمكنني الذهاب؟
حدق بها لحظات.. سحب يده عنها وقال بهدوء: اذهبي..
نهضت بسرعة ساحبة معها المنشفة.. لفتها حولها وخرجت بخطوات سريعة.. تنهد وتابعها بعينه حتى اختفت.. انه يضغط عليها اكثر مما يجب، وهو يعرف ذلك جيدا.. لكن ذلك الوحش في داخله لا يهدأ.. لم يكن يستطيع مقاومتها.. كانت امامه.. شهية وضعيفة.. لم يكن يستطيع تركها وحسب..
بالنسبة لها، لقد مر ذلك افضل بكثير مما توقعت.. كانت قد توقعت الكثير من الالم، والاساءات النفسية والجسدية.. لكنه وبشكل ما مضى بسلام..
ارتدت تيشيرت ورمت نفسها على السرير بتعب.. كان يوما طويلا.. ولكن شيئا واحدا بقي لتفعله قبل انتهائه..
سحبت هاتفها واتصلت بأبيها.. أجاب بصوت من كان يتوقع اتصالها..
: أهلا منال.. كيف حالك يا ابنتي؟؟
تنهدت.. لم تكن لديها طاقة للمزيد من التخبط.. كانت بحاجة شديدة لأبيها.. لكنها لم تكن تستطيع الاستسلام لنفسها.. لم تكن لتفعل..
: بخير.. -زفرت- كيف تفعل هذا؟
سكت لحظات.. لقد دخلت مباشرة في الصدد.. كان صوته ثابتا وهادئا: إنكِ بعيدة.. بعيدةٌ جدا.. ولقد كان هذا خطئي.. لكني لم أستطع تكرار هذا الخطأ معه.. إنه جزء منكِ.. وإني يائسٌ جدا، لم أكن سأنتظره حتى يكبر.. قبل أن أراه وأكلمه وأصنع معه ذكرى..
تنهدت بتعب شديد: لا.. كنت ستصنع معه ذكرى، ثم ستختفي من حياته.. كيف يكون هذا أفضل من عدم وجودك أساسا؟
: إن هذا لن يحدث يا منال.. إنني لن أكرر أخطائي.. إنني لن أبتعد عنكِ، حتى لو رفضتِني، حتى لو لم تقبليني مطلقا.. إنني سأبقى إلى جانبكِ.. وإلى جانب حفيدي.. إنني لن أتخلى عنكِ مهما حصل!
عضت على شفتها.. شعرت بألم شديد في قلبها.. لقد احتاجت هذا الكلام طيلة عمرها.. احتاجته حين كانت طفلة وحيدة بين يدي يوسف.. احتاجته حين كانت مراهقة تغتصب بشكل يومي.. احتاجته حين أصبحت أما.. احتاجته اليوم وبالأمس وستفعل غدا..
تحمحمت محاولة ألا تظهر الضعف في صوتها.. قالت بهمس: من فضلك.. لا تزره بشكل خفي.. إنني لن أستطيع قطعه عنك الآن.. لا أريد أن يحزن.. لكننا سنلتقي بك معا.. لا تفعل ذلك دون إعلامي.. هل هذا ممكن؟
وصلها صوته الهادئ: بالتأكيد.. كما تأمرين..
كانت تشتاق للأيام التي كان لها فيها أب.. لشعور الأمان المطلق بجانبه.. حين كانت تشعر أن شيئا لن يستطيع الإضرار بها مهما حصل..
استيقظت من أفكارها على حركة السرير.. كان يوسف يجلس على السرير بهدوء محدقا بها.. مد يده.. تنهدت وناولته الهاتف باستسلام.. سمعت صوته الهادئ والصارم: سوف لن أراك بجانب ابني دون علمي، أو علم أمه مرة أخرى، مطلقا.. هل تفهم؟ وإن حصل شيء كهذا، صدقني ستدفع الثمن غاليا.. لن تدفعه وحدك، إنما ستدفعه أنت وعائلتك.. وابنتك العزيزة التي في يدي..
أنهى الكلام وناولها الهاتف مباشرة.. بلع ريقه حين اصطدمت نظرته بنظرتها.. كان في عينيها شيء ما.. لم يفهمه.. سحبت منه الهاتف وقطبت حاجبيها حين سمعت والدها يشتم.. قالت بهدوء: اهدأ.. من فضلك..
قال بصوت منزعج: إن هذا الرجل لا يستطيع إيذاءك.. بمجرد أن تكوني بجانبي.. لن أسمح له يا منال.. ما الذي يضطركِ للبقاء معه؟ لماذا تفعلين بي وبنفسك هذا؟
سحبت نفسا عميقا..: إنه لا يؤذيني.. ولن يفعل.. إنك سهل الاستفزاز..
: تكذبين علي مجددا..
: تصبح على خير.. سأتواصل معك قريبا بشأن لقائك مع فارس.. وداعا..
أغلقت دون أن تنتظر رده.. شعرت بنظرات يوسف المسلطة عليها.. التفتت إليه.. حاجب واحد مرفوع بسخرية: إذا.. أنا لا أؤذيكِ؟ هل هذه طريقتكِ في إبطال انتقامي؟
قالت بصوت هادئ: ماذا؟ هل تريد أن أذيع تعذيبك لي في الجريدة؟
حدق بها لحظات ثم سكت.. رمى نفسه مستلقيا على السرير وحدق بالسقف بشرود.. سحبت من جانبها كتابا وانشغلت بالقراءة.. كانت تحاول أن تذاكر وسط كل هذه المعمعة التي في حياتها..
حتى الآن، كان التعلم هو الشيء الوحيد، إضافة للأمومة، الشيء الوحيد الذي يدفعها للعيش..
أغمضت عينيها بضيق حين أحست بيده تنسلّ من تحت التيشيرت وتدلك معدتها بشكل دائري.. خفضت الكتاب والتفتت إليه.. كان مسندا رأسه على كفه المثنية للأعلى.. يحدق بها بعيون غريبة.. قالت بهدوء: هل ستتركني أذاكر أم علي أن أترك الكتاب؟
أجابها بذات النبرة: ذاكري.. لم أمنعكِ..
كان هذا مضحكا.. وكأنها ستستطيع التركيز بينما يده تدور حول الكدمة التي تركها عليها منذ ساعات فقط..
وضعت الكتاب على الطاولة بجانبها وارتخت باستسلام محدقة بالسقف..
: لا أريد أن تلتقيا بأبيكِ أكثر مما يجب.
: حسنا.
: ولا أريد أن يتكلما في أمور عن الماضي..
: حسنا..
: ولا أسمح لكِ أن تتركيهما وحدهما مهما حصل..
: حسنا..
سكت.. قالت بهدوء: سألني فارس لماذا لا أقارب لنا.. واضطررت لذكر سارة.. إنه بحاجة للاحتكاك بأشخاص غيرنا..
شعرت بيده تتجمد للحظة، ثم تضغط على الكدمة بقوة.. حبست أنفاسها بألم ولم تنطق.. غمغم: كيف تفعلين هذا دون إذن؟
أجابت بصوت ثابت: إنني لا أستأذن فيما يخص مصلحة ابني..
زاد ضغطه عليها.. شدت جسمها بألم.. زفر بعصبية ثم أفلتها.. أطلقت زفيرا.. قال بانزعاج: تستمرين بارتكاب أخطاء غبية.. إنني لا أريد له أن يحتك بتلك العائلة المريضة.. إن التقاءه بسارة يعني التقاءه بغيرها مع الوقت.. كان عليكِ أن تقدري هذا!!
قالت بهدوء: آسفة..
لم تكن تعرف تحديدا ماهي الأشياء التي سيعتبرها معارضةً له.. لم تكن لتغامر بخرق الاتفاق.. لقد كانت ضغطته الخفيفة على معدتها تحذيرا.. وهي فهمته جيدا.. ولهذا لم تناقش..
زفر وقال بصوت آمر: الإضاءة..
نهضت وأغلقت الإضاءة وتركت الأبجورة الخافتة.. استلقت بجانبه مرة أخرى.. أحست بذراعه تحيط بوسطها وبكفه ترتاح على كتفها وبقوته تسحبها وتدفنها في حضنه.. أغمضت عينيها باستسلام.. سحب كفها وأراحها على كفه.. ونام.
__

يومٌ لا نهايةَ لهحيث تعيش القصص. اكتشف الآن