ارتجفت منال حين تقدم منها يوسف.. وجهه البارد كان خاليا من التعابير، وكانت يداه منقبضتين بشدة.. هذه المرة، لم يكن باستطاعته حتى أن يبسط يديه.
وقف يوسف أمام منال لحظات وهو يتأملها.. مرت اللحظات كدهرٍ كامل على منال، بدا لها وكأنه يتلذذ بالرعب الذي كانت تعيشه. أحاطت به هالة غامضة مظلمة، ولم تفهم مطلقا الشعور الذي قرأته في عينيه.. رأت في عينيه شيئا غريبا لا تفهمه، ولم تعرفه من قبل. أحست بأنها ترى شخصا مختلفا، لم تره في حياتها.. لم تعكس عيناه الوحش الذي تألفه، ولا زوجها الرقيق الذي تحبه.. وأحست بانزعاج ووحشة شديدين حين ظل يتأملها وكأنه بشكل أو بآخر يقرر ماذا سيفعل بها.بالنسبة ليوسف، فقد كان هو في عالم آخر تماما، لا تعرفه منال ولم يحدثها عنه مطلقا.
بعيدا عن المشاعر المتوحشة التي أثارها يومه، وتأثير الإبرة في نفسه، فقد أثار هذان الشيئان في داخله عنصرا جديدا.. لقد حملاه إلى الماضي الذي يمقته.
حين وقف أمام منال، كان في الواقع يستعيد ذكرى محددة لا يتحملها، وكان، مدفوعا بهذه الذكرى، يحس بحاجة شديدة لأن يُلحق بمنال، أكثر من يعشق، أبشع أنواع الأذى.=
عودة إلى الماضي
: اقترب هنا يا يوسف.
رفع يوسف المراهق عينيه على أبيه.. كان كالعادة، واقفا في زاوية غرفة الطعام فيما كان البقية يتناولون عشاءهم.. كما كان كالعادة كذلك جائعا للغاية.
ظل يوسف يرمق حسام بامتعاض.. لقد ساد الصمت وتركزت العيون عليه كالعادة، وبدأ الجميع ينتظر المشهد الجديد الذي سيقدمه حسام لهم.
كان يوسف قد بدأ يسأم من ذلك الروتين، ولم يعد يطيقه.. لقد بدأ المراهق في داخله يتمرد، ويصبح أقوى وأكثر مقدرة على التحمل.
: تحرك يا ولد.
عبس يوسف أكثر حين أشار له حسام بإصبعه باستعلاء.. صرّ على أسنانه وجر نفسه جرا إلى مائدة الطعام ليقف بجانب كرسي أبيه.مسحه حسام بعينيه.. كالعادة، كان جسده هزيلا وملابسه قديمة، ونظارته كانت مكسورة جزئيا، وبدا عليه الشحوب والدوار بسبب قل الطعام، وكان مطرقا بإذعان، إلا أن ملامحه كانت حادة، وكان يحك أسنانه ببعضها محاولا السيطرة على غضبه.
لعق حسام شفتيه.. كان يستلذ بهذه الملامح على يوسف ويتسلى بها.. لطالما كان يوسف لعبته، والمخرج الأول لألمه وحزنه على زوجته التي فقدها، ولحقده الأسود على أحمد.: أنت جائع يا ولد؟
سحب يوسف نفسا عميقا.. يعرف هذه اللعبة الغبية جيدا، إذا أجاب بشكل صحيح، سيحصل على الطعام، إذا لم يفعل، سيجوّع ليوم كامل آخر.
قرر أن يتصرف بذكاء، فهذا بالفعل يومه الثالث دون طعام.. قال بصوت هادئ: نعم.
: هممممم.
همهم حسام متظاهرا بالتفكير..: لا أحب أن أراك جائعا لوقت طويل يا يوسف، تفضل، يمكنك أن تأكل.عقد يوسف حاجبيه بحيرة ورفع عينيه مترددا وهو يحس بضغط شديد لتحديق الجميع به، خصوصا نهى التي لم تكن تطيق رؤيته أو وجوده حولهم، فوجوده هو الذي يحرّض هذه المشاهد التي لا تحب لأطفالها رؤيتها..
رفع حسام ببطء قطعة خبز، نظر إلى يوسف بابتسامة وقحة ثم رماها بين قدميه وقال بمتعة واضحة: تفضل، خذها.
أنت تقرأ
يومٌ لا نهايةَ له
Romanceتعيش منال منذ طفولتها مع الوحش.. الوحش، والعائلة الوحيدة. هذه القصة محض خيال، ولا تشابه بينها وبين الواقع. فضلا، لا تنقل هذه القصة أو تنشرها في أي مكان. لا ينصح بقراءة القصة لمن هم دون ١٨ عاما. *مهم: لا تروج هذه القصة لأي شكل من أشكال العنف، وإنما...