مضت دقائق وهي واقفة أمام الباب.. وهو واقف في مكانه.. والصمت سائد تماما..
انتفض كل عصب في جسمها حين سمعت صوته..: منال..
أغمضت عينيها بقوة.. هذا حقيقي.. كل شيء في هذا حقيقي.. لقد وجدها.. سيؤذيها، سيضربها ويحبسها، سيفعل لها كل شيء تكرهه، سيغتصبها ويسجنها حتى يوم عمرها الأخير، وسيحرمها من ابنها..
قالت بصوت مرتجف: إننا لسنا في بلادنا.. إن.. إن لمستني لمسة واحدة.. سوف.. تجرك الشرطة إلى..
سحبت نفسا وسكتت حين لم تعد لديها طاقة كافية للكلام.. كان صدرها يصعد ويهبط بسرعة.. وأقدامها بالكاد تحملها..
كرر: منال..
شدت يديها حولها واستندت إلى الباب.. لن تلتفت إليه.. لا تريد رؤيته..
تنهد.. تحرك بخطوات ثقيلة وجلس على الكنبة.. كان سينتظرها حتى تلتفت.. ليس هناك شيء بانتظاره..
ظلت متجمدة في مكانها لدقائق أخرى.. فهمت أنه سيبقى جالسا حتى تجيبه.. إنها تعرفه..
سحبت نفسا عميقا.. جلست القرفصاء على الأرض امام الباب.. لم تنظر إليه أبدا وشدت كفيها على رأسها غارقة في هول الكارثة..
لاحظ أنفاسها شديدة السرعة، يديها المرتجفتين، كان كل شيء في جسمه يريدها.. يريد معانقتها حتى الشبع.. إنه يشتاق لها.. كان شعورا لم يمر به في حياته.. هذه الحاجة الشديدة لشخص ما!
أغمض عينيه وقال بصوت متعب: لا تتركيني..
لم يكن هذا ما توقعت سماعه.. لكنها لم تبد ردة فعل.. تابع: أنا آسف.. لا تتركيني مرة أخرى..
دفنت وجهها بين كفيها.. هل هو عائد بقناع الزوج الحنون؟ ثم ماذا؟ هل يعتقد أنه سيعيدها ثم سيرمي القناع ويعود إلى أصله؟
قالت بصوت هادئ: اتركني أذهب..
تنهد.. نهض من مكانه واقترب منها بخطوات هادئة.. أغمضت عينيها وشدت جسمها وصرخت بعصبية: ابتعد.. ابتعد عني.. لا تقترب..
في هذه اللحظة كان طرق شديد على باب الغرفة..
: شرطة.. افتح حالا..
توقف يوسف في مكانه.. كان هذا غريبا.. قطب حاجبيه وتحرك باتجاه الباب فيما ابتعدت هي مباشرة عنه.. فتحه ببرود..
كان رجلا شرطة، وأحمد، واقفين أمام الباب.. تنهد.. لم يكن مستغربا أن يتبعه أحمد إذا لاحظ توجهه إلى البلاد التي أرسلها إليها..
: إنك تحتجز هنا فتاةً رغما عن إرادتها؟؟
قطب حاجبيه..: بالطبع لا.. يمكنك التأكد بنفسك..
دخل الشرطيان وخلفهما أحمد، كانت منال قد جلست على الكنبة، لم يكن من الصعب توقع ماحصل، ولم تكن مهتمة، إن يوسف قد وجدها، ومعنى هذا أنه سيتبعها، وسيتكرر هذا الاجتماع بشكل أو بآخر.. مادام لم يتركها عن تراضٍ منهما، فهي قد كُشفت، والخروج الآن لا معنى له.. هي تعرف انه يحيط هذا المكان كاملا بالحرس، ويستحيل ان تمر نملة داخل او خارج الفندق دون علمه. اينما ذهبت سيتبعونها.
شرحت الوضع للشرطيين الذين تأكدا من الهويات ثم اعتذرا وغادرا.. بقيت ويوسف وأحمد في لحظات في غاية السوء..
: لماذا فعلتِ هذا؟
كان صوت أحمد جامدا..
قالت بهدوء: لقد وجدني.. لن يتغير شيء الآن..
: هل كان طلب مساعدتي أصعب من عيشك بعمل كهذا؟
قالت بذات النبرة: هذا ليس من شأنك..
تنهد..: هذا صحيح..
تحرك باتجاهها.. قال ببرود ليوسف: لن تقترب منها..
كان يوسف يحدق بصمت..
رمت منال رأسها على الكنبة بتعب.. إذا كان والدها يستطيع تخليصها من يوسف، فهي لن تمانع.. ولكنها تعرف انه لايستطيع.
قال يوسف بصوت هادئ وثابت: إنني سأتكلم معها فقط.. غادر هذا المكان..
: أنت تحلم..
: ماذا تريد مني يايوسف؟
كان صوت منال متعبا تعبا شديدا.. تحرك يوسف باتجاهها.. جلس أمامها على الأرض ثانيا قدميه رافعا وسطه.. قطبت حاجبيها واعتدلت محدقة به. إنها تنظر إليه لأول مرة، وهذه المرة عن قرب، وبشكل مفاجئ.. لقد نحل كثيرا.. وجهه شاحب.. وعيناه متعبتان.. ونظراته مثبتة على عينيها..
أغمضت عينيها حالا.. لا تريد رؤيته.. قال بهدوء: عودي معي..
: هذا طلب أو أمر؟ يا يوسف؟
: إنه رجاء.. يامنال..
نهضت بعصبية من مكانها.. التفتت إليه وصرخت بانفعال: ماذا تفعل؟ هل ستؤثر علي بهذه التصرفات الغبية؟ هل سألين؟ هل سأنسى أي شيء فعلته؟
: كلا.. لكنكِ بحاجتي.. وأنا أذكركِ بذلك..
غمغمت: كيف أكون بحاجتك تحديدا؟؟
: إنكِ لا تستطيعين العيش دوني.. إنني نصفكِ الآخر.. والشخص الوحيد الذي يعرفكِ فعلا.. إنني عائلتكِ.. و...
قطع كلامه حين شعر بضربة شديدة الحرارة على وجنته.. اتسعت عيناه بصدمة.. لقد صفعته..
حرك فكه بألم وسكت فيما حدقت هي به بنظرات عدائية..
قال بهدوء: لا أمانع..
صرت على أسنانها: أنا لا أهتم بممانعتك من عدمها.. إنك لست في القيادة هنا يا يوسف! إنك لست الرئيس، إنك لاشيء! إنك لاتستطيع التحكم بي أو بوضعنا! هل تفهم؟
: أفهم..
شعرت بغضبها يزيد.. صرخت: توقف عن التمثيل!! إنني لن أعود معك، وسوف لن أسمح لك باستعبادي مرة أخرى!!!! أيها الملعون! هل تستتفه مافعلته لدرجة اعتقادك أن هذه التصرفات ستمحوه؟
: إن شيئا لن يمحو ما حصل بيننا، وأنا أقول لك، عودي بغض النظر عنه، ليس لأنه سيمحى، إنما لأننا مضطرون للتعايش معه..
: أنا لست مضطرة للتعايش مع أي شيء!!
: إنكِ مضطرة، إن لكِ ابنا لاينام ليلة دون بكاء لأنه يشتاق لكِ!
شعرت بألم حين ذكر فارس.. قالت من بين أسنانها: لا تجرؤ على ذكر فارس.. إنك السبب في تفريقي عنه، لا تجرؤ على الكلام عنه، لقد فرقتني عن أبي، وعن ابني، وعن نفسي، لا تجرؤ على وضع الذنب علي!!
كان أحمد يستمع ويراقب بتركيز.. إنه لا يعرف كيف تجري علاقتهما، وهذه أول مرة يتصرفان دون تأثير وجوده، كان يستمع لكل كلمة وحرف..
قال يوسف بصوت هادئ: إذا عدتِ، لن أتدخل في شؤونكِ..
ابتسمت بسخرية: صحيح.. أنا واثقة من ذلك..
تابع متجاهلا سخريتها: ستكون حياتكِ كحياتكِ هنا، إنما بعملٍ شريف، وبجوار عائلتكِ.
اتسعت عيناها.. شعرت أنها تفقد أعصابها وتصاب بالجنون.. صرخت بأعصاب تالفة وهي تركل الطاولة الصغيرة أمامها: عمل شريف؟؟؟؟ هل تجرؤ على انتقاد عملي؟؟ هل تجرؤ على انتقاد العمل الذي عملته لحسابك عشر سنين؟؟؟
اتسعت عينا أحمد فيما غضب يوسف أخيرا.. غمغم: إنكِ لم تكوني يوما رخيصة عندي.. ولم يلمسكِ الرائح والغادِ يامنال!
شعرت أنها ستجن.. برزت عروقها واحتقن وجهها بالدم.. تقدمت باتجاهه، كورت يدها لتلكمه.. هوت يدها على وجهه.. قطب حاجبيه بألم واضح.. حرك فكه بعصبية، أمسك بمعصمها وقال بخشونة: ماذا ستغير هذه التصرفات؟ ماذا بعد أن تلكميني؟ هل سأذهب؟ هل سأتركك؟
أغمضت عينيها وقالت بصرامة: أفلتني!
سحبها باتجاهه وقال بعصبية: تعالي معي! اتركي هذا العمل اللعين! وكأنني سأترككِ بين يدي الرجال كل ليلة! هل جننتِ؟
تدخل أحمد وسحب يد يوسف بعنف: أفلتها، ماذا تفعل أيها اللعين؟
التفت يوسف إلى أحمد: لا تتدخل أيها الأب الحنون!!! لقد فات الأوان على كل هذا!
صرخت منال: أفلتني!!!!
أفلتها يوسف بغيظ.. وضعت كفيها على رأسها بتعب..: إنك لا تملكني، وليس باستطاعتك تركي، أو عدم تركي في أي مكان، إني لن أعود إلى امبراطوريتك الغبية حتى لو كلفني ذلك حياتي!! اتركني وشأني يايوسف، إنني لم أعد أحتمل، إن لمسة واحدة إضافية ستصيبني بالجنون.. هل تفهم؟ لقد نفد صبري!!
تنهد يوسف.. لم يكن يعرف كيف سيتصرف.. إنه يفقد صبره..: أنتِ تعرفين أنه يستحيل ذهابي هكذا.. يستحيل أن أترككِ، ولو لم آخذك بالسلم، سأفعل هذا غصبا!
غمغم أحمد: لن تأخذها غصبا أيها الهمجي الأهوج!!
عضت على شفتيها.. لقد تعبت.. لقد ملت من كل شيء.. ملت من هذا الوحش الغائم فوق حياتها.. قالت بصوت كسير: ماذا تريد كي تخرج من حياتي؟
اطلب أي شيء. ماذا تريد؟
سكت يوسف لحظات قبل أن يقول: أنتِ لا تريدين خروجي من حياتكِ.. أنتِ وحيدة دوني يامنال..
ساد الصمت لعدة ثوان.. كانت منال تحدق بيوسف بنظرات عدائية وأنفاسها تزداد قوة وحدة.. تراجعت للخلف ثم اتجهت إلى حقيبتها.. وبحركة سريعة كانت تخرج شيئا ما وتوجهه إلى رأسها.. تجمد الدم في عروق كل من أحمد ويوسف حين تبينا هذا الشيء.. كان مسدسا..
قالت منال بصوت جامد وقاس: ستعدني بالخروج من حياتي، الآن وهذه اللحظة، أو سوف أخرجك منها بنفسي.. هل ما أقوله واضح؟
شعر يوسف بجسمه كله يتصلب.. قال برعب: أبعدي هذا عنكِ يا منال.. أبعديه.. هل جننتِ؟؟
اشتدت يدها على الزناد.. كان وجهها أبيضا وملامحها قاسية: إني أفضل الموت على العيش معك مرة أخرى.. هل ستخرج من حياتي يايوسف؟
تقدم يوسف منها.. هزت المسدس وحركت إصبعها وصرخت: إياك.. أقسم أني سأضغط!!
انتفض يوسف وتوقف وصرخ بعصبية: أنزليه وسنتكلم، أنزليه، أيتها المجنونة، أنزلي هذا الشيء اللعين!!
صرخت بالمقابل: ستعدني خلال ثلاث ثوانٍ، أو سوف أضغط. أقسم أني لا أهتم بشيء، وسأضغط! واحد.. اثنان..
أحست بشخص من خلفها يسحب السلاح بقوة من يدها.. التفتت بحدة.. كان والدها.. لقد التف فيما كانت منشغلة بالحديث مع يوسف.. ضغطت على أسنانها وقالت بكره: أيها القذر.. هل ستفرد عضلاتك علي أنت الآخر؟؟
: إني أنقذ حياتكِ.. فحسب.. لا ترعبيني هكذا يامنال.. أرجوكِ..
احتدت نظراتها: طبعا.. كل شيء يدور حولك.. أيها اللعين، أنت لا تفكر إلا بنفسك! خذ هذا السلاح أيها التافه، هل سأعجز عن الموت بطريقة أخرى؟
التفتت بحدة مرة أخرى حين أحست باقتراب يوسف خلفها.. وقبل أن تعي شيئا كان يهوي على وجنتها بصفعته شديدة القوة.. التف وجهها وتراجعت عدة خطوات.. ضغطت على أسنانها بقهر.. هذا ماكانت تهرب منه.. هذا مالاتريد أن يتكرر.. إن هذا الكابوس يلاحقها ولن ينتهي أبدا..
لم تتحرك.. كان شعرها ملقى على وجهها بفوضوية اثر الصفعة، وهي تدلك خدها وتحدق بجمود أمامها.. كان والدها قد فقد أعصابه بعد الضربة وهاجم يوسف، لم تهتم بما يفعلان.. كان عليها أن تجد طريقة لحل هذه الكارثة.. كان عليها أن تهرب من قبضة يوسف بأي شكل..
تحركت بسرعة نحو النافذة.. كانا في طابق مرتفع، والنافذة كبيرة الحجم.. فتحتها بحركة سريعة، لم تفكر بأي شيء، أغمضت عينيها ورمت نفسها متجاهلة النداءات خلفها.. ارتطمت ثم غاصت في ظلام مريح..
__
أنت تقرأ
يومٌ لا نهايةَ له
Romanceتعيش منال منذ طفولتها مع الوحش.. الوحش، والعائلة الوحيدة. هذه القصة محض خيال، ولا تشابه بينها وبين الواقع. فضلا، لا تنقل هذه القصة أو تنشرها في أي مكان. لا ينصح بقراءة القصة لمن هم دون ١٨ عاما. *مهم: لا تروج هذه القصة لأي شكل من أشكال العنف، وإنما...