بعد نفسٍ عميق.. مشت منال ببطء إلى ملابس هديل المرمية على الأرض.. انزعجت حين رأت قطرات دمٍ عليها.. لم تعرف إن كان الدم الذي تقاطر من أنف يوسف بسبب لكمتها، أم أنه دم هديل نفسها. ولكن الملابس لم تكن صالحة للاستعمال. وعلى كل حال، كانت ملابس خليعة لدرجة مزعجة، ملابس تعبر بوضوح عن مهنة هديل، وبهذا، لم تكن تناسب فتاة بعمرها.
تعرف منال أن هديل كانت تُجبر على ارتداء مثل هذه الملابس حيث تعمل، أزعجتها هذه الفكرة أكثر.تركتها على الأرض دون أن تنطق وذهبت إلى دولابها، قلّبت قليلا بين الأغراض لتخرج بنطال جينز وقميصا أبيض. أخرجت كذلك أغراضا أخرى، وضعت كل شيء على السرير أمام هديل التي كانت متجمدة على وضعها، تشد اللحاف عليها شدا هستيريا وكأنها ستموت إن خففت قبضتها عنه لحظة، وكانت تتبع منال بعينيها منتظرةً كارثة أو مصيبة ما..
تنهدت منال قالت بهدوء: هذه ملابس جديدة، لم ألمسها من قبل، ستجدين أوراقها عليها. تركت لكِ مرهما، ضعيه على جروحكِ. -أشارت إلى الحمام- يمكنكِ أن تستحمي إن شئتِ. ستخفف المياه الساخنة ألم جروحكِ. وضعت لكِ مخفي عيوب كذلك لأجل وجهك. سأنتظرك في الخارج.لم تنتظر منال ردا وخرجت مباشرة مغلقةً الباب خلفها.. أغمضت عينيها وأسندت نفسها على الباب ما إن صارت وحيدة وهي تحس بقلبها يخفق بجنون لفرط الانفعال ثم يعتصر ألما.. فهي لم تجد وقتا لتبرمج وتستوعب المنظر الذي رأته حين دخلت.. المنظر الذي ذكرها بتلك الليلة التي ولد فيها فارس، حين كانت تعاني بسبب الألم بينما هو يلهو فوق سريرهما. لماذا صار يؤلمها لمسه لغيرها إلى هذا الحد؟ لطالما سألت نفسها هذا السؤال.. كما تساءلت، لماذا رغم ترديده اللامنقطع لمشاعره تجاهها، لايجد في نفسه قدرة على حرمان نفسه من شيء كالجنس لأجلها، فهذا يعتبر أبسط وأتفه أدلة الحب.
جهزت إبريق شاي وهي شاردة.. من المضحك أنها أعطت لهديل المرهم ذاته الذي كانت تضعه هي حين كان يوسف يطبق جرائمه على جسدها.. وأعطتها الملابس التي ابتاعتها لسبب واحد: اكتئابها.
لقد كانت هذه عادةً عندها، متى ما أزعجها يوسف وأثار غضبها، أفرطت في الشراء إفراطا لامعنى له كنوع من الهروب من الواقع.. كانت تنسى الأشياء التي تشتريها لاحقا، وتفاجأ بوجودها لاحقا في دولابها. والملابس التي قدمتها لهديل كانت مثالا على ذلك.
جلست أخيرا في الصالة وهي تحس أنها تنتقل من الانفعال، الصدمة، الرعب والغضب إلى البرود والبلادة تدريجيا.. جلس في حضنها بندق.. لم ينم، كان متحفزا لأنه كان يحس برائحة فرد جديد في المنزل، وكان مضطربا بانتظار إظهار هذا الفرد لنفسه.خرجت هديل بعد عشر دقائق بوجه أصفر وشعر مبتلّ وقفز بندق نحوها فور ظهورها..
لقد استحمت على مايبدو ووضعت الملابس عليها، كانت واسعةً اتساعا بسيطا.. فمنال لها جسم معتدل، بينما جسم هديل يميل للنحول والهزال.
مشت بخطوات سريعة وجسمٍ منكمش ومشدود فيما شدت كفيها على حبل حقيبتها بتوتر، لتجد منال جالسة جلسةً تعبر عن اللامبالاة في الصالة ممسكةً بكوب شاي بين يديها محدقة في التلفاز..
وقفت حين دخلت الصالة فيما أخذ بندق يدور حولها بحذر ويشمها مرة تلو مرة مستغربا الرائحة الجديدة..
تمتمت دون أن تواجه منال النظر: أنا آسفة. أنا حقا آسفة.. أعتذر منكِ.. لا-
قاطعتها منال بضيق: آسفة؟ لا أفهم، لم تعتذرين؟ إنه ليس خطأك، إنه خطأ ذلك الحيوان الناطق.
رفعت هديل عينيها هذه المرة.. لتجد منال تتأملها بتفحص، وباسترخاء في نفس الوقت.. همست وهي تمشي بخطوات سريعة نحو الباب: سأذهب.. شكرا لكِ على كل شيء.
: انتظري، لحظة، تعالي!
التفتت هديل ببعض الخوف.. تنهدت منال، هذه الفتاة فعلا تشبهها حين كانتا في نفس العمر.. هذا التحفز، هذا الخوف من كل شيء.. الانكماش والهلع من الحياة ذاتها.. تابعت وهي تشير إلى الكنبة المعامدة لها: اجلسي قليلا، من فضلكِ.
امتقع وجه هديل: ولكن لماذا؟
: لنتحدث فقط. لاتقلقي، جهزت شايا -رفعت كوبها قليلا وابتسمت- شاركيني.
ترددت هديل، ولكنها كعادة شخصيتها السلبية، لم تجرؤ على الرفض. بعد دقيقتين من مشاورة نفسها جلست حيث أشارت منال، بجلستها المشدودة ذاتها، حيث جلست على طرف الكنبة وألصقت فخذيها ببعضهما حتى تصادمت ركبتاها.
أنت تقرأ
يومٌ لا نهايةَ له
عاطفيةتعيش منال منذ طفولتها مع الوحش.. الوحش، والعائلة الوحيدة. هذه القصة محض خيال، ولا تشابه بينها وبين الواقع. فضلا، لا تنقل هذه القصة أو تنشرها في أي مكان. لا ينصح بقراءة القصة لمن هم دون ١٨ عاما. *مهم: لا تروج هذه القصة لأي شكل من أشكال العنف، وإنما...