أنا وأسرتي، لينا تقليد سنوي غريب شوية، كُل سنة ... وفي نفس الميعاد بنحُط التليفون الأرضي بتاعنا في غُرفة المعيشة، على ترابيزة القهوة الصُغيَّرة، وبنقعد حواليه، بننتظره عشان يرن، مش بنتكلِّم كتير، بنقعد في صمت وننتظر، الساعة 12، في مُنتصف الليل بالظبط، وبدون أي تأخير، بتتصل!
أماندا هي اللي بتكلمنا، صوتها بيكون مليان ألم وحُزن، بنقدر نحس بدا كويس أوي، بنحس بالألم اللي هي بتمُر بيه، لكن كُل الوقت اللي هي بتملكُه حوالي عشرين ثانية بس، الجرس اللي بنسمعه بيقول كدا
بتعاني عشان تقدر تقول كلمة
ماما أول واحدة بتكلمها، سألِت أماندا لو كانت بخير
أماندا دايمًا بتؤكِّد إنها بخير، بس إحنا عارفين إنها بتكذب
بتسألها إمتي هيحرروها، أماندا بتقول إنها مش عارفة
بيتكلموا بسُرعة جدًا، كُل ثانية هنا لها قيمة كبيرة أوي
الجرس بيضرب ...
ماما بتعطي سماعة التليفون لبابا، بياخدها بإيد بتترعش
بيسألها برفق: " يا ملاكي الصُغيَّر، بيعاملوكي حلو؟ "
" أنا بتحسِّن يا بابا، هُمَّا لُطاف معايا، أعتقد ... يمكِن ... "
مقدرتش تكمِّل كلامها من كُتر الدموع
" حبيبتي ... "
" بابا ... "
" أوضتك شكلها إيه؟، فيها شباك؟، بتشوفي حاجة مُميزة برا؟ "
" إنت عارف إني مقدرش أجاوب، هُمَّا واقفين جنبي، وهيعاقبوني لو جاوبت "
" أنا آسف يا ملاكي، إنتي عارفة إن ... "
الجرس بيضرب!
بيسكُت تمامًا وهو بيعطيني سماعة التليفون، ترددت للحظة لكن في النهاية مسكت السماعة، دايمًا بخاف من اللحظة دي، مش عارف المفروض أقولها إيه؟، بيقولوا إيه في المواقف اللي زي دي؟
" أماندا ... "
" إزيك يا جوش "
" وحشتيني أوي "
كُنت بعيَّط لمَّا سمعت صوتها، الدموع مالية وشي، سمعتها بتهمس من بين دموعها هي كمان إني وحشتها، كانت بتحاوِل تتماسَك وتتظاهر بالقوة
" إنت كمان وحشتني أوي، مشُفتكش من سنين طويلة، نفسي أعرف شكلك عامل إزاي دلوقتي، أكيد بقيت طويل وقوي "
" أنا كمان نفسي أشوفك أوي "
الجرس ضرب
الخط إتقفل قبل ما نودعها أو نقولها أي حاجة تانية، قعدنا بصمت وحُزن نبُص للتليفون القديم، الوسيلة الوحيدة اللي قادرة توصلنا بأختي الوحيدة، قُمنا بصمت ورجعنا أوضنا، مش قادرين نقول حاجة
.
هفهمكُم كُل حاجة ...
.
أماندا اختفت في صباح يوم بارد من شهر ديسمبر 1992، كان عندي 12 سنة وقتها، هي كان عندها 20 سنة، علاقتنا مكانتش كويسة ومكُناش قريبين من بعض، كُنا مختلفين في حاجات كتير، لكننا كُنا بنحب بعض
كُنا أسرة سعيدة، أغلب الوقت على الأقل ... أماندا كانت بتعاني من اضطراب القطب الثُنائي، ورغم إنها كانت بتروح لطبيب نفسي ومواظبة على علاجها، لكنها بتمر بأزمات نفسية سيئة جدًا، كُنت متعوِّد أشوف كدمات وجروح في جسمها باستمرار، كُنت عارف إنها بتؤذي نفسها
كان لها أصدقاء سيئين وكان لهم تأثير سيء على حياتها أنا مش حابِب أتكلِّم عنه، لكنها كانت بتتعاطي المُخدرات، بصراحة ... كانت بتتعامل مع الموضوع كويس، مكانتش بتسمح لنفسها بإنها تتصرَّف بشكل غلط، كانت بتاخد جُرعة بسيطة مع الدوا بتاعها عشان يساعدها في التغلب على آلامها النفسية، بتخليها أهدى وقادرة تتعامل مع الأمور بطريقة طبيعية، أعتقد إن كُل دا مكانش سر، وإن كان فيه حد عارف بالموضوع دا كويس، عشان كدا اختاروها هي
ليلة 21 ديسمبر كانت ليلة باردة، المطر متوقفش تقريبًا طول اليوم، الرياح كانت قوية وصوتها عالي ومُخيف، الشوارع تقريبًا فاضية تمامًا إلا من أشخاص اضطروا ينزلوا في التوقيت دا لأسباب مُهمة، لكن بعضهم كان حكيم ونزل بشمسية وجاكيت تقيل، وبعضهم كان أحمق زي أماندا ونزلت بهدوم خفيفة وعادية
واحدة من كاميرات المُراقبة الخاصة بمحل في الشارع الرئيسي، أظهرت لينا اللي حصل، التصوير كان بالأبيض والأسود، لكنه كان واضح:
أختي كانت بتعدي الشارع، وراها كان ماشي زوج وزوجته بهدوء، عربية وقفت في نص الشارع أدامها، ميتسوبيشي لانسر ونمرها تابعة لولاية نيوجيرسي، بينزل منها راجل ويتكلِّم مع أختي، بتكلمه بشكل طبيعي جدًا بيقول إنها تعرفه كويس، كان لابس نضارة شمس رغم إننا في ليلة باردة مُمطرة، في التلاتينات أو الأربعينات من عُمره، إتكلموا لفترة بسيطة جدًا، لكنها كانت كافية لإقناع أختي بالركوب بسهولة
كاميرا تانية على أطراف البلدة نقلت صورتها لآخر مرة حد شافها فيها:
كانت في العربية بهدوء وخارجة خارج حدود البلدة
لمّا رحنا للشُرطة وانتبهوا للأمر، كان الأوان فات للأسف، دوروا كتير بدون فايدة، حتى رقم العربية كان مُزيَّف، ولقوا اللوحة مرمية على الطريق السريع بإهمال شديد
محدش عرف يحل اللُغز، أول مرة البلدة بتاعتنا يحصل فيها جريمة اختطاف، الشُرطة استجوبت عدد كبير من سُكان البلدة، سألواهم جميع أنواع الأسئلة، لكن للأسف بدون أي فايدة أو نتيجة، في النهاية وصلوا لنتيجة أغضبت أمي جدًا، أماندا هربت من البيت باختيارها
أجرنا مُخبر خاص، ودوَّر كتير ورجع بنتيجة واحدة، أماندا كانت بتتكلِّم مع كُل الناس عن نيتها في الهروب من البيت، بدأنا نقتنع ونصدَّق، أماندا هي اللي اختارت الهروب، مش عارفين ليه!
.
لكن كُل دا إتغيَّر بعد سنة من اختفائها، في الليلة دي جالنا تليفون غير متوقَّع، التليفون الأرضي القديم بدأ يرن فجأة، كُنا نسينا أصلًا إنه بيشتغل
راجل صوته عميق كان بيتكلِّم، عرَّف نفسه باسم جورج، قالنا إن أماندا معاه، وإنه هيسمح لنا نكلمها، لكن دا هيكون جُزء من تجربة نفسية هو بيقوم بيها، وبشروط قاسية:
ممنوع نقول لحد منعًا باتًا
ممنوع الشُرطة تعرف
وإلا هيقتلها
قالنا إنه بيعمل التجارب النفسية دي على عدد كبير من الناس غيرها، مش هي بس، أرواح مفقودة بيقدر بطريقة ما يخليها تتواصل مع اللي بتحبهم مرة واحدة بس كُل سنة ولفترة صُغيَّرة جدًا، أكِّد لنا إن التجارب دي مش بتؤذيها أبدًا، طلبنا تفاصيل زيادة لكنه رفض تمامًا، وخلى أماندا تكلمنا، ودا بقي تقليد سنوي، الدقيقة اللي بنستناها كُل سنة
إمبارح كانت أول ذكرى سنوية لاختفاء أماندا محدش يكلمنا فيها، فضلنا حوالين التليفون بصمت بنستني، سمعنا صوت جرس الباب، على الباب كان فيه إتنين ظُباط هدومهم مبلولة بسبب المطر، قالولنا إنهم جايين يبلغونا بخبر سيء، لقوا المُتبقي من عظام أماندا في خندق على أطراف البلدة، أماندا ماتت يوم ما اختفت وجُثتها تحللت تمامًا ومش باقي منها غير شوية عظام
من يومها والتليفون بطَّل يرن!
.
.إحنا اتفقنا إن من أهم الأسباب اللي بتؤدي لإن الروح تعلق هي إن الجُثة تكون مش مدفونة بشكل لائق، أو محققتش انتقامها من القاتل، والحالتين متوفرين في حالة أماندا، لكني هتكلِّم عن حالة إن الجُثة غير مدفونة بشكل لائق، لأن من وجهة نظري دا كان السبب الرئيسي
واتفقنا برضه إن الناس اللي عندها مشاكل مع الروح العالقة بتبدل كلمة روح عالقة بأي كلمة تانية بتحبها زي قرين أو شيطان أو أي حاجة تانية ومش بيعملوا كومنتات تعمل جدل مش هيوصلنا لحاجة لمُجرد المزايدة وفرض وجهات النظر زي ما بيحصل كُل مرة القصة بتكون بتتكلم فيها عن روح عالقة
المُهم ...
روح أماندا عالقة بسبب كدا، جورج هو باحث روحاني قدر يلاقي طريقة ما يخلي الأرواح دي تتواصل مع أهلها لمُدة دقيقة واحدة بس كُل سنة، وهو دا اللي كان بيحصل، لكن ليه الروح توقفت عن الاتصال بيهم؟
عشان أخيرًا لقوا المُتبقي من الجُثة وتم دفنه بشكل لائق
..
#بتاع_الرعب
#حدث_بالفعل
#قصص_حقيقية_حول_العالم