189

1K 122 17
                                    

كُرسي الإنتظار في محطة الأوتوبيس كان متغطي بالتلج، بس أنا كُنت متوقِّع إن دا هيحصَل، لأن الدنيا بتمطَّر تلج من الصُبح بدون توقُّف، لكن اللي مكُنتش متوقِّعه هو إني ألاقي حد قاعد على الكُرسي مستني الأوتوبيس، مفيش حد غيري بيستنى الأوتوبيس في الوقت المتأخَّر دا من الليل غيري، وخصوصًا كمان إن الدنيا بتمطَّر تلج طول اليوم، الموضوع كان غريب شوية
الراجل كان لابس چاكيت تقيل، ولافِف سكارف حوالين رقبته، بصلي بصمت وبدون ما يقول أي حاجة، وأنا كمان قرَّرت مقولش أي حاجة
طريق الأوتوبيس كان طويل، بيمُر بمُقدمة المدينة، وسط المدينة، وبيعدي خلال أحياء عديدة، والتلج اللي مالي الشوارع دا أكيد بيخلي الرحلة أطوَّل وأبطأ، دا غير إن راندي - سوَّاق الأوتوبيس - بيمشي على مهله وبيلتزِم جدًا بالقوانين المرورية، ودي عادةً حاجة مُحترَمة وأنا بقدرها جدًا، لكن في يوم زي النهاردة وبطريقته المُعتادة هيخليني أوصَل بيتي مع شروق الشمس، من حُسن حظي إن الأولاد بيقضُّوا عُطلة نهاية الأسبوع مع بريتني - طليقتي - الأسبوع دا
لكن الغريب كان إن الأوتوبيس وَصَل بدري عن ميعاده شوية النهاردة، وقف أدامنا ببطء، الراجل الغريب وقف هو كمان، الغريب إن اللافتة الإلكترونية الخاصة بالموقَف إتقفلت تمامًا بمُجرَّد مروره من أدامها، طلع الأوتوبيس الأول، تجاهل السوَّاق تمامًا كأنه مش شايفه، والسوَّاق كمان إختار إنه يتجاهله تمامًا كرد على طريقته، لمَّا طلعت لاحِظت إن السوَّاق متغيَّر، سألته فين راندي؟ فرفع كتافه ومط شفته بدون ما يرُد عليَّا
قعدت على كُرسي، طبعًا الأوتوبيس كان فاضي تمامًا، مفيش غيرنا إحنا الـ 3 بس، العاصفة والتلج طبعًا كانوا سبب في دا، بالإضافة لأننا في وقت متأخَّر من الليل
عادةً بقضي الوقت في إني بلعَب في موبايلي، بس النهاردة وبسبب إحساسي الغريب بإني متراقِب قرَّرت أكون مركِّز شوية، بعد شوية.. الإحساس دا زاد جوايا، بصيت ورايا وشُفته، الراجل الغريب كان باصصلي مُباشرةً، بصيت أدامي، السوَّاق كمان كان مركِّز معايا، عن طريق المراية الأمامية، في حاجة غلط، قرَّرت أنزل من الأوتوبيس بدري، وهمشي المسافة الباقية على رجليَّا، بس هنزل فين؟ التلج محاوطنا من كُل مكان، الأوتوبيس فضل ماشي بصمت وسط الأحياء الفاضية المُظلِمَة، مفيش أي عربيات كانت ماشية حوالينا
فضل ماشي في طريقه شوية، لكن فجأة.. قرَّر يغيَّر إتجاهه، دا مش الطريق المُعتاد اللي بنروَّح منه كُل يوم!
سألت السوَّاق عن إحنا رايحين فين؟ قالي إن الطريق المُعتاد مقفول بسبب حادثة ضخمة، فضلنا ماشيين في الطريق الجديد، وسط الأحياء المُظلِمَة، كُنا في الأحياء الغربية، ودي منطقة خطيرة جدًا، بعد شوية، وبدون أي سبب مفهوم سُرعة الأوتوبيس بدأت تقل، الراجل الغريب قام من مكانه وقعد ورايا مُباشرةً، بدأت أقلَق منه، لكنه فجأة هَمَس: " يلا ننزِل هنا "
هو بيتكلِّم جد؟ هنا؟ وسط التلج؟ أنا وهو؟
منطقش بولا كلمة بعدها، بس أنا لاحِظت إن السوَّاق لسَّه مركِّز معايا بشكل غريب، كُنت خايف من الراجل الغريب، بس كُنت خايف أكتر من السوَّاق، عشان كدا خدت قراري وقرَّرت أسمع كلام الراجل الغريب، قُلت للسوَّاق إني هنزِل هنا، وقف وفتح الباب وكان بايِن عليه إنه متضايق جدًا
نزلنا أنا والراجل الغريب وسط الظلام والتلج
بمُجرَّد رحيل الأوتوبيس سألته فجأة: " إيه اللي بيحصَل بقي؟ "
ابتسم بحُزن وهو بيقول: " كان ناوي يقتلك على فكرة "
" إيه؟ "
" أنا هقف معاك لحَد ما تلاقي تاكسي وتروَّح، كدا أحسَن لك "
بدأت أتلفِت حواليَّا، قُلتله: " أنا مش فاهِم حاجة "
قرَّب مني ببطء، بدأت أرجَع  لورا، كُنت خايف منه، بردان، مش فاهِم حاجة، كُنت خايف، حاولت أرجع لورا لكنه مسك كتفي بالراحة وهو بيقول: " متقلقش "
ابتسم وهو بيقول: " إنت كُنت لوحدك على الأوتوبيس، وكُنت مُنطلِق شمالًا قبل ما السوَّاق يقرَّر يغيَّر إتجاهه فجأة، دلوقتي إنت هنا وفي أمان، وأنا هقف معاك لحَد ما تروَّح "
سألته تاني: " أنا مش فاهِم حاجة؟ "
تجاهَل سؤالي وهو بيقول: " الطريق دا بيعدي منه تاكسيات كتير، أكيد هنلاقيلك واحد "
سكت شوية قبل ما يقول بسعادة: " خلال دقيقتين هيوصل واحد "
حسيت بالدهشة وأنا بقوله: " ماشي.. شُكرًا "
ويبدو إنه قرَّر يفهمني أخيرًا، لأنه فجأة قال: " دي الطريقة اللي هو بيصطاد بيها ضحاياه "
" إنت بتتكلِّم جد؟ يعني أنا كان مُمكِن أموت النهاردة؟ "
" آه، وصدقني هتتصدَم لو عرفت عدد ضحاياه "
" غريبة جدًا "
" صدقني هتستغرب أكتر لمّا تعرف هو قتل كام طفل ضمن قايمة ضحاياه "
بعد دقيقتين فعلًا فيه تاكسي وَصَل، شاورتله فوَقف فورًا ، ركبت في الكُرسي اللي ورا، السوَّاق سألني: " حضرتك رايح فين؟ "
قُلتله على عنواني، هز راسه، وقبل ما يتحرَّك قرَّرت أسأله: " مُمكِن ناخد الأستاذ دا في طريقنا؟ "
سألني بدهشة: " أستاذ مين؟ "
بصيت برا على الراجل الغريب لكن مكانش له أي أثر
قلبي كان بيدُق بقوة والسوَّاق بيقولي: " إنت كُنت واقِف لوحدك! "
صدقته.. صدقته لمّا بصيت على الأرض، لأن وسط التلج، مكانش فيه غير آثار أقدامي أنا وبس!!
.
.
.تخيَّل معايا إن أنت خارج من شُغلَك في وقت متأخَّر من الليل، الدنيا ضلمة جدًا، الجو برد جدًا، التلج في كُل مكان، لقيت واحد غريب مستني الأوتوبيس معاك، سوَّاق الأوتوبيس متغيَّر
في الوقت دا إنت مش مُدرِك الكارثة اللي إنت فيها دلوقتي، إنت في أوتوبيس بيسوقه قاتل مُتسلسل بيصطاد ضحاياه من وسط العواصف، والراكِب الوحيد اللي معاك هو واحد من ضحاياه السابقين اللي بيحاوِل ينقذ حياتك
بطل قصتنا حظه كان حلو وسمع كلام الراجل الغريب ونجا بحياته
لو إنت مكانه.. كُنت هتتصرَّف إزاي؟
قولولي في الكومنتات ❤️
.
.

.

قصص رعبحيث تعيش القصص. اكتشف الآن