كُلنا كُنا أطفال و مش عارفين إيه الصح و إيه الغلط
كُنا أسرة طبيعية جدًا ، أنا و أخويا التوأم لوكا ، و أختي الأصغر مننا كونستانس ، بابا و ماما متجوزين عن حُب و علاقتهم مستقرة جدًا ، بيتنا هادي و جميل و فيه حديقة أمامية واسعة ، كُنا في مدرسة واحدة و متفوقين فيها
أسرة طبيعية هادية جدًا
ما عدا كونستانس ، كونستانس كانت بتخاف من حاجة غريبة جدًا محدش فينا قدر يفهمها ، إكتشفنا ده لمّا كان عندي 9 سنين و إضطرينا نمشي من السينما و نسيب الفيلم في نُصه عشان كونستانس خايفة من كشَّافات النور اللي مع الأبطال ، كُما متضايقين منها أنا و لوكا لكن إضطرينا نسكُت عشان ماما وعدتنا تعوض لنا الفيلم بآيس كريم
بعد أسبوع كونستانس صحت من النوم بتعيّط بسبب كوابيس مُخيفة ، ماما و بابا لامونا إحنا علي الكوابيس بتاعتها ، بحجة إننا بنحكي لها قصص مُخيفة قبل ما تنام ، الليلة دي إتعاقبنا أنا و لوكا و إتحرمنا من العشا و من الفُرجة علي التليفزيون و إتحبسنا في أوضتنا
لوكا كان بيقول بغضب : " كونستانس دي طفلة جدًا "
الحقيقة هيّ أصغر مننا بسنتين بس ، بس لوكا بيتكلم علي إعتبار إننا كُبار فعلًا ، كمل كلامه بغضب : " أنا مش قادر أصدق إنها تحت بتتعشي و بتتفرج علي التليفزيون و إحنا متعاقبين بسببها "
رديت عليه بسُخرية : " أكيد بتتفرج علي كارتون لأنها طفلة غبية ، تخيّل بتخاف من نور الكشَّافات ! "
لوكا ضحك بسخرية ، بصراحة بعدها حسيت بالذنب ، بس لوكا فجأة بصلي بحماس و هوّ بيقول : " طب إيه رأيك نخوفها بجد ؟ "
كُنت غضبان منها عشان كده وافقته علي طول !
.
اللي حصل بعد كده أنا أقسمت أنا و لوكا منحكيهوش لأي حد لحَد ما نموت ، سر و هيتدفن معانا في قبورنا ، إستنينا لحَد بابا و ماما ما ناموا ، خرجنا من أوضتنا ، لوكا كان معاه كشَّاف كبير بتاع بابا ، كونستانس كانت نايمة في أوضتها زي الملايكة ، لوهلة حسيت بالخوف من اللي إحنا هنعمله ، فجأة سمعت لوكا بيقول : " كتفها و إكتم صوتها "
مكانش أدامي أي خيار للرفض ، لوكا أقوي مني و أشجع مني و بيتمتع بصفات القائد إنما أنا غالبًا يُعتبر التابع بتاعه
كتفتها و كتمت نفسها كويس ، لوكا حط الكشَّاف فوق عينيها و بدأ يفتحه و يقفله كتير ، فتحت عينيها و بصّت للكشاف برُعب ، بدأت تعيّط ، كانت مرعوبة ، حاولت تصرّخ بس أنا كُنت كاتم صوتها بإيدي ، جسمها بدأ يترعش ، كانت بتحاول تتحرر مني لكن أنا كُنت أقوي منها
لمّا جسمها تهالك تمامًا و إستسلمت من غير ولا حركة ... عرفنا إن فيه حاجة غلط حصلت !!
كُنا أطفال و كان عندنا 9 سنين بس ، جرينا بدون صوت دفننا الكشّاف في الحديقة و طلعنا أوضتنا بدون أي صوت عشان محدش يحس بينا ، كًنت عاوز أصحيهم و أقولهم اللي حصل ، بس لوكا شدني من إيدي ناحية أوضتنا
قلبي كان بيدق بقوة و أنا نايم علي سريري ، لوكا قالي بصوت مليان خوف و بيترعش : " أيًا كان اللي حصل ، إحنا مالناش دعوة "
هزيت راسي بسُرعة و أنا بقوله : " حاضر ، فاهم "
.
الدكاترة شخصوا الحالة علي إنها نوبة صرع عملاقة ، مكُنتش فاهم يقصدوا إيه بالكلمة دي ، بس اللي فهمته إنها كانت نايمة علي ضهرها بدون حركة طول الليل بعد ما إنتهينا منها ، حالتها كانت بتتدهور و بتسوء طول الليل ، الصُبح ماما حاولت تصحيها فإكتشفت الحالة اللي هيّ فيها و أخدتها علي المُستشفي فورًا
قالولنا إنها مش مُمكن تمشي أو تتفرج علي التلفزيون و مش هتقدر تأكل نفسها ، و للأسف متقدرش تروح الحمّام لوحدها ، نصحوا بابا و ماما يستخدموا لها حفاضات عشان هيّ هتفقد السيطرة علي نفسها ، بس الغريب هوّ إمتناعها عن الكلام ، الدكاترة قالوا إن ده مش مفهوم و إننا أدام إختيارين ، إما إنها مش عاوزة تتكلم أو إنها مش قادرة تتكلم
ماما كانت مُستاءة إن أنا و لوكا بنتجنب كونستانس طول الوقت ، بعد أسبوع من الحادثة دخلت أوضتنا و قعدت معانا و قالت لنا : " أنا عارفة إن وضع كونستانس إتغيّر ، بس مهما حصل دي لسّه أختكم ، مش عاوزاكم تخافوا منها أو تتجنبوها بسبب اللي حصل ، هيّ تقدر تسمعكم و تفهمكم كويس ، جربوا كلموها عشان هيّ أكيد حاسّة بالوحدة و خايف "
خرجت من الأوضة بس سمعتها بتعيّط بمجرد ما قفلت الباب
ماما كان عندها حق ، كُنا بنخاف من كونستانس بس مش عشان وضعها الجديد ، بس عشان كُل مرة كانت بتشوف حد مننا كانت بتبُص لنا بغضب و حقد و شر مُخيفين جدًا ، مكٌنتش بقدر أتحمل نظرتها ليّا
.
لمّا كبرنا شوية أنا و لوكا و بدأنا ننتظم في دراستنا ، ماما بدأت تعلم كونستانس تعليم منزلي لأنها متقدرش تروح المدرسة ، بدأنا أنا و لوكا نوسع دائرة معارفنا و علاقتنا بس محدش فيهم كان يعرف إن لنا أخت ، دا كان سر لأننا كُنا بنخجل من وضعها الصحي
الشعور بالذنب كان بيقتلني ، ساعات كتير كان بيبقي نفسي أنفجر ... أتكلم ... أحكي لكُل الناس علي كُل حاجة حصلت ، فاكر إني مرة لمّا كان عندي 16 سنة إنهرت تحت رجلين ماما و أنا بعيّط و بقولها : " أنا آسف علي كُل حاجة لكونستانس يا ماما "
قبل ما أكمل كلامي ، ماما حضنتني و قالت : " اللي حصل إنت ملكش ذنب فيه "
ساعات كتير كُنت بحس إنها عبء علينا و علي أهلنا ، بتحتاج رعاية و إهتمام زيادة عن اللزوم فعلًا ، لدرجة إنهم أهملونا تمامًا أنا و لوكا و تجاهلونا و تجاهلوا إحتياجاتنا ، كرهتها جدًا بس كرهت نفسي أكتر لأني سبب في كُل ده
.
أنا و لوكا دخلنا الجامعة و سبنا البيت ، كُنا بندرس في نفس الجامعة بس في كُليات مُختلفة ، هو تخصص في طب الأعصاب ، أعتقد هوّ إختار التخصص ده لشعوره بالذنب لعل دراسته توصله لحاجة يقدر بيها يعالج كونستانس ، أنا تخصصت في دراسة الفن و بقيت فنان ، لكن الفن مش وظيفة تقدر تعتمد عليها ، بس شُغل مراتي ليلي كان مُربح و مكفينا إحنا الإتنين و مخليني قادر أتفرغ للفن بتاعي
من شهرين ماما إتصلت بيّا فجأة في نًص الليل ، مجرد ما شُفت رقم أمي علي الموبايل قلبي إتملي خوف ، قعدت علي السرير و أنا بقوله بخوف : " ماما ، فيه إيه ؟ "
كانت بتعيّط و هيّ بتقول : " كونستانس ماتت "
ماتت و هيّ نايمة من غير ما تحس بحاجة ، تاني يوم كان السبت ، أنا و لوكا متعودين نفطر سوا كُل يوم سبت ، لوكا كان قاعد في المطعم باين عليه الحُزن ، سألته و أنا بقعد : " أكيد ماما كلمتك ؟ "
رد عليّا بصوت حزين : " آه ، و أنا مش حاسس إني كويس ، شربت كتير أوي إمبارح "
بصلي و عينيه مليانة حُزن و قالي : " الموضوع إنتهي خلاص ، مش لازم نلوم نفسنا علي اللي حصل أكتر من كده ، كونستانس ماتت "
بعد ما خلص جملته تجاهلنا الموضوع تمامًا إحنا الإتنين و بدأنا نتكلم في حاجات تانية
.
الجنازة كانت هادية و بسيطة ، أسرتنا صغيرة و كونستانس مكانش ليها أصدقاء ، لوكا محضرش الجنازة ، حاولت أكلمه بعدها كتير بس ساعات مكانش بيرد عليا و ساعات كان بيرد و يتهرب مني بحجج أنه مشغول أو تعبان أو عاوز ينام ، في النهاية كُنت تقريبًا مش بشوف لوكا نهائيًا من بعد الجنازة ، كُنت قلقان عليه جدًا بس في النهاية هوّ راجل عاقل و بالغ ، وظيفته متعبة و مُرهقة ، مُمكن ضغط موت كونستانس مع ضغوط شغله تعبوه شوية و خلوه في حاجة للإنعزال ، مهما كان السر اللي أخفيناه طول السنين مش سر هيّن و لا بسيط
.
من أسبوعين تقريبًا صحيت من النوم بالليل لأن الكهربا إتقطعت في البيت ، قُمت من النوم و نزلت الدور اللي تحت و بدأت أرفع زراير لوحة التحكم الرئيسية لحَد ما النور رجع تاني ، بصيت علي الساعة و لقيتها 6 الصبح ، بصيت علي تليفوني لقيته فاصل شحن ، قررت أحطه في الشاحن و سبته شوية لحَد ما فتح ، لقيت رسالتين صوتيتين
الرسالة الأولي كانت من لوكا أخويا ، بداية الرسالة كُنت سامع صوت تنفسه تقيل و مُرتعش و بعدين إتكلم بصوت واطي مليان خوف : " إزيك يا تيا ، غالبًا إنت نايم دلوقتي ، انا بس كُنت عاوز أقولك تصبح علي خير ، أنا هقدر أنام خلاص ، أخيرًا هقدر أنام "
مكُنتش فاهم حاجة من رسالته ليّا ، قررت أفتح الرسالة التانية ، كانت من زوجة لوكا
كانت بتعيّط و صتها بيترعش و هيّ بتقول : " تيا أنا مش هقدر أتكلم في رسالة صوتية ، من فضلك كلمني لمّا تصحي "
بقية الرسالة الصوتية كانت بتعيّط بحرقة مش طبيعية
كلمتها علي طول و فهمت كُل حاجة ، عرفت كانت بتعيّط ليه ، إنتحر بجرعة كبيرة من الحبوب ، مات و هوّ نايم
الليلة دي كانت أول ليلة أحلم بكونستانس من زمان أوي ، كابوس مُخيف بس لمّا صحيت ، لمّا صحيت كُنت خايف ، مديت إيدي علي الأباجورة الصُغيرة اللي جنبي و فتحتها ، نورها الأصفر الهادي كان مُريح بس كان بيترعش بطريقة مٌخيفة ، رعشة الضوء كانت مُرعبة بس أهون شوية من الظلام الدامس ، حاولت أهدي نفسي شوية و أنا قاعد علي السرير
ليلي قالتلي بصوت متضايق : " إقفل النور ، انا نايمة "
قفلت النور و قعدت في الظلام بحاول أهدي لحَد ما النوم غلبني و إستسلمت له تمامًا
.
تاني يوم غيّرت اللمبة بتاعة الأباجورة ، بس رعشة النور ما توقفتش ، الموضوع كان مُزعج و مش طبيعي ، قررت أرميها و أشتري واحدة جديدة ، بس بعد كده نور المطبخ كمان إبتدي يترعش بطريقة مُخيفة ، و بعدها نور الحمام ، بعدهم كان دور نور أوضة النوم ، فجأة الموضوع تطور لإن شاشة تليفوني كمان بدأت تترعش و تفتح و تقفل لوحدها ، الموضوع بدأ يزيد ، كُل نور البيت كان بيترعش بطريقة مُخيفة ، الموضوع كان مُزعج و مُخيف و الكوابيس كانت بتطاردني أكتر ، الحاجة الغريبة إن ليلي بتقول إن النور مظبوط و إن مفيش أي حاجة متغيرة فيه
النهاردة كونستانس جتلي في كابوس
كانت ماسكة كشاف كبير و بتقفله و تفتحه أدام عيني زي ما عملت فيها و هي صغيرة
بقالي اسبوعين مش عارف أنام ... أنا دلوقت فهمت كلام لوكا و قررت أعمل زيه
أنا عاوز أنام
.
.
.