158

1.4K 122 43
                                    

أختي ماتت الأسبوع اللي فات، موتها كان مُفاجئ، في يوم من الأيام كانت معانا، وتاني يوم مكانتش هنا

أعتقد إني لسَّه في مرحلة الإنكار، بحاول أتصل بيها في عطلات نهاية الأسبوع ساعات، أعتقد إني بعمل كدا بشكل لا إرادي، أول ما بشوف الساعة 8 بفكَّر إني المفروض أتصل ببيك، على الأرجح هي خرجت من الشُغل وروحت دلوقتي، وبفوق على الصدمة

وبالفعل.. اتصلت بيها بدون ما أقصد كذا مرة، بدون ما أفكَّر، الأمر مؤلِم، خصوصًا لمَّا بسمع صوتها في البريد الصوتي، بتقولي إتصل بيَّا في وقت لاحق، بس خلاص مفيش وقت لاحق، بيك اختفت للأبد

صعب علينا نتقبَّل الوضع الجديد، خصوصًا ماما.. هتحتاج شوية وقت لسَّه، أعتقد إنها حاسَّة بالذنب بسبب اللي حَصَل

الجنازة كانت الأسبوع اللي فات، لسَّه مش قادر أبطل تفكير في وشها، طبعًا عملنا الجنازة بتابوت مقفول، رغم إنهم خيطوا كُل جروحها بس الندبات باينة ومش هنقدر نخفيها، سمعت إن فيه ناس بتسيب التابوت مفتوح وبتغطي الوش بمنديل أو بملاية صُغيَّرة، بس أعتقد ماما مكانتش عايزة حد يفكَّر أو يتخيَّل إيه اللي تحت المنديل، عشان كدا قفلنا التابوت وحطينا جنبه صورة لبيك وهي بتضحَك، دي كانت فكرة ماما، أعتقد إنها كانت عايزة كُل الناس تفتكر أد إيه بيك كانت سعيدة قبل موتها

بس أنا مكُنتش مبسوط، أعتقد.. إني كُنت عايز أشوفها، أنا عارف إن دا مش أمر طبيعي، بس أنا.. بس أنا كُنت عايز أشوف هو عمل فيها إيه

كان لازم يغيروا عينيها، لو التابوت مفتوح هتشوف مكان الجروح، على الأرجح بدلوها بكرات من الزجاج، عشان تبقي نفس الشكل تقريبًا، وطبعًا عينيها كانت مقفولة، بس لو حد شافها كان هيعرف، شكل العيون الطبيعية مُختلِف تمامًا عن شكل العيون الزجاجية، أنا عارف إن هو بيسرق عيون ضحاياه ساعات، بس مش دايمًا بيعمل كدا، بيقولوا إن لو عمل كدا.. فيعمل كدا في الأول، قبل ما يكمل اللي جاي يعمله

فمها كان مقطوع هو كمان، مفتوح من الودن للودن، راسم على وشها ابتسامة شيطانية واسعة، شكلها كان مُرعب فعلًا، كان مشوِّه وشها بوحشية

بس هو مش بس خد عينيها، دا كمان أخد أسنانها

ماما كانت بتقول إنها كانت خايفة دا يحصل طول عُمرها، الأمر بيكون أسوأ لو ضحيته كانت خايفة منه، جدتي مرة قالت لنا إن هو بيعمل كدا عشان هو بيحب يحس إن ضحاياه خايفين منه، بيحب يطوِّل الموضوع، بيحب يتصرَّف ببطء، بيحب يخليهم أحياء عشان يستمتع بخوفهم وهو بيخلَّص عليهم

أنا فاكر لمَّا كُنا أطفال، أول مرة بيك سمعت عنه وعرفت بوجوده، جرت بسُرعة ودخلت أوضتها واختبئت تحت سريرها، كانت بتعيَّط بخوف، بمُجرَّد ما تعرف بوجوده وتخاف منه.. هتقدر تشوفه، يومها هي قدرت تشوفه للمرة الأولى، كان واقف برا البيت أدام الشباك، لكن بيك مقدرتش تتغلَّب على خوفها منه، كانت ضعيفة

حتى لمَّا كبرت، فضلت قافلة ستاير أوضتها، كانت بتخاف تتأكِّد من وجوده، بتقول إنها بتكره تشوفه باصص لها من برا الشباك، بتكرهه، شاحب وواقف تحت ضوء القمر، ملامحه المُخيفة.. بشرته الباهتة.. ابتسامته المُرعبة، كانت بتكره تشوفه وتعرف إنه مستني اللحظة المُناسبة عشان يزورها

يا ريتها كانت فتحت الستاير وبصَّت عليه، على الأكل لو كانت شافت إنه مش موجود كانت فهمت، كانت لحقت تودعنا، كانت ماتت وهي عارفة

لكن هي كانت دايمًا بتقول إن من الأفضل الموضوع يكون مفاجأة، كانت كارهة لرؤيته وهو بيعد الأيام عشان يزورها، كانت كارهة للحظة اللي هتعرف فيها إنه جوا البيت، وتسأل نفسها.. فاضل أد إيه ويزورني، تسأل نفسها.. هيعمل إيه الأول، كانت كارهة اللحظة اللي هتشوف فيها ملامحه أدامها

مش عارف هو جه منين؟ ومش عارف حسَّت بإيه لمَّا شافته أدامها؟ مش قادر أتخيَّل مدى خوفها لمَّا عرفت إن خلاص.. كُل حاجة بتنتهي، لمَّا عرفت إنها هتمون

أنا شايفه دلوقتي، شايفه وشايف الغروب من شباك أوضتي، واقف برا.. حاسِس بإحساس غريب، أنا عارف إني طالما شُفته يبقي أنا اللي عليَّا الدور، ليه أنا؟ ليه مش أي حد تاني؟ كُنت متضايق جدًا، ليه اختار أختي تحديدًا دونًا عن بقية البشر اللي على الكوكب؟ وليه دلوقتي بيختارني أنا مكانها؟ طبعًا هو مش بيختار البشر، إحنا اللي بنختاره لمَّا بنعرف بوجوده وبنخاف منه، عشان كدا فكرت.. لو فيه ناس عارفة بوجوده برا، دا هيبعده عني

إنت مش هتقدر تشوفه ولا تسمعه إلا ما تعرف بوجوده، لازم تكون مُدرِك لوجوده..

هو باصصلي دلوقتي، كان بيعمل معاها كدا، كانت بتقولي إنها خايفة، من وهي طفلة بتخاف منه، بس أنا.. أنا وضعي مُختلف، أنا بدأت أشوفه بعد موتها، بدأت أشوفه وأنا كبير، أنا فعلًا خايف منه

مش عارف الطريقة دي هتنجح ولا لأ، بس أنا حطيتلكم كُل المعلومات في البوست دا وكأنها قصة، بس كدا إنتم عارفين كُل حاجة عنه، كدا إنتم مُدركين لوجوده، أتمنى كُلكم تبصوا من الشبابيك بتاعتكم، أتمنى تفتكروا كُل حاجة قُلتها، خافوا منه.. خافوا منه أوي

يا رب تشوفوه

يا رب حد منكم يشوفه

أنا خايف منه
.

أنا مش عارف هو بيتكلِّم عن إيه..
لكن الشروط واضحة والنتائج واضحة
أولًا: لازم تعرف بوجوده
ثانيًا: لازم تخاف منه
ثالثًا: لازم تعرف هيعمل فيك لمّا يدخلك
رابعًا: لازم تعرف إنك لو قابلته هتموت
والنتائج واضحة..
أولًا: هيسرق عينيك في الأول
ثانيًا: هيسرق سنانك
ثالثًا: هيشوه وشك ببشاعة
رابعًا: هتموت وهينتقل لحد جديد عارف بوجوده
هو حب يخلص منه عن طريق إنه ينقل معرفته بيه لحَد تاني
وأنا كمان بخلص منه وبنقلكم المعرفة والإدراك بوجوده
سامحوني.. لو وقعت.. مش هقع لوحدي
(أخيرًا قُلت الجملة دي، حلم حياتي من وأنا صُغيَّر أقول لو وقعت مش هقع لوحدي)
.

قصص رعبحيث تعيش القصص. اكتشف الآن