كُنت في الطريق مروَّح البيت، كُنت في بيت أهل خطيبتي وقضيت اليوم معاهم، قررت أتوقَّف في حديقة ليتشورث العامة، جيت المكان دا مرة قبل كدا، لكن مزورتش المضيق الموجود في الجزء الشمالي من المحمية اللي طولها 17 ميل، الحديقة دي واحدة من أكتر الوجهات السياحية شعبية في نيويورك، بعد شلالات نياغرا وكهوف هاوي، إحنا دلوقتي في نهاية فترة الخريف، فترة سقوط أوراق الشجر، عشان كدا قررت أزور المكان بما إني لوحدي وفاضي
كُنت قاعد على كُرسي عام لمَّا لاحظت شابة بتتكلِّم في تليفون عام الناحية التانية من الشارع، من سنين طويلة مشوفتش كابينة تليفون عام من دوا، ودلوقتي بشوف حد بيتكلِّم في واحد منهم، كانت فتاة شابة في أوائل العشرينات من عمرها، شعرها بني غامق، لابسة جاكت لونه أحمر مُميَّز، قررت مبصش عليها لفترة طويلة عشان مُمكِن تلاحظ وتخاف مني أو تحس إنها مش بأمان، الشمس على وشك الغروب، مفيش في المكان كُله غيرنا إحنا الإتنين
عشان كدا لمَّا لقيتها جنبي فجأة حسيت بالخوف وأنا بقولها بصوت بيترعش: " خوفتيني ... إزيِّك؟ "
بصتلي بتركيز، بس عندي إحساس كأنها بتبُص جوايا مش ليَّا، سابتني ومشت ناحية السور العالي المتعلَّق عليه يافطة (ممنوع الوقوف)
.
سألتني بصوت عالي: " جيت هنا قبل كدا؟ "
" آه، بس زُرت الشلالات وقعدت ليلة واحدة بس ومشيت "
ردت عليَّا: " المكان هنا لطيف، خصوصًا لمَّا الزحام بيخف والمكان بيفضي "
" إنتي عايشة قريِّب؟ "
طلعت قعدت فوق السور وهي بتقول: " آه "
شعرها بدأ يطير على وشها عشان يخفي كتير من ملامحها، لكن رغم كدا كان باين إنها فتاة جميلة، سألتني فجأة وبلُطف: " مُمكن أطلب منك طلب؟ "
ترددت للحظات، شابة زي دي هتطلب مني إيه وأنا لسَّه مقابلها من عشر دقايق وما إتكلمناش كتير مع بعض، غالبًا يا هتطلب فلوس، يا هتطلب مُخدرات، قلتلها: " مُمكِن ... "
" مُمكن لو التليفون رن تاني ... إنت ترد؟ "
" ليه؟ "
" اللي بيتصل دا خطيبي، هو عارف إني هنا وأنا مش عايزة أرد عليه "
بدأت أحس بالفضول وأنا بسألها: " والمفروض أقوله إيه؟ "
فكرت شوية قبل ما تقول ببساطة: " قوله إننا في ميعاد غرامي "
إتكلمنا بعدها في مواضيع عامة ومش مُهمة لعدة دقايق، لحَد ما التليفون رن، قُمت من مكاني وتوجهت ناحية الكابينة على طول، كُنت على وشك أنفذ اللي هي طلبته مني
لكن قبل ما أعدي الشارع، إحساسي قالي أبُص ورايا
.
كُنت عاوزة أشوف رد فعلها، لو كانت صادقة معايا ولا بتكذب، لكن لمَّا بصيت ورايا، فوجئت بيها واقفة فوق السور، فوق اليافطة بالظبط، كانت بتبصلي بطريقة غريبة، كأنها بتبتسم بسُخرية، كانت في خطر، لفت وشها ببطء ونطت من فوق السور
صرخت وأنا بجري ناحية السور، طلعت فوقه بسُرعة وأنا ببُص عليها، كُنت بحاول أشوف لو لسَّه فيه أمل عشان أنقذها، لكن للأسف مكانش فيه تحت غير ظلام وصخور حادة بس، سمعت صوت عربية جاي من ورايا، التليفون العام كان لسَّه بيرن
من حُسن حظي إن اللي راكب العربية كان واحد من حُرَّاس الحديقة
جريت عليه وأنا بقوله: " من فضلك، فيه بنت نطَّت من فوق السور "
بدأت أحكيله كُل حاجة حصلت وبالتفصيل، كان بيسمعني لكن ملامحه مكانتش بتعكس أي مشاعر
ببرود قالي وهو بينزل من العربية: " شعرها بني، لابسة بنطلون جينز، وجاكيت أحمر ... صح؟ "
كُنت مُندهش، أنا موصفتهاش له، هو عرف منين؟
التليفون بطَّل يرن، شاورت على التليفون وقُلتله: " هي قبل ما تنُط طلبت مني أرد على التليفون ... "
بان عليه الغضب وهو بيقول: " اللعنة على الشيء دا، مش عارفين نتخلَّص من الشيء اللعين دا بسبب قوانين الولاية "
رددت بدهشة: " شيء لعين؟ "
بدأ يشرحلي بعصبية: " إنت محظوظ إنك مرديتش على التليفون "
سألته بدهشة: " هو إنت ليه مش بتطلب النجدة أو المُساعدة عشان نلاقي البنت اللي وقعت دي؟ "
إتنفس بعُمق وهو بيقرَّب مني وبيقول: " اللي إنت شُفته دا مش بنت، مش شخص من لحم ودم، أنا آسف، أنا إتأخرت النهاردة شوية، بحاول أكون هنا الساعة 6 بالظبط، بس النهاردة إتأخرت شوية، لمَّا بكون هنا بتخاف تظهر "
" إستنى إستنى بس ... تقصد إيه بجُملة مش شخص من لحم ودم؟ "
" اللي إنت شُفتها دي كريستين خطيبتي، انتحرت من فوق السور دا سنة 99 "
" وبعدين ... "
شاور على كابينة التليفون وهو بيقول: " قبل ما تنتحر اتصلت بيَّا من التليفون العام دا، وإتخانقنا، كان المفروض أتصل أصالحها لكن أنا للأسف إتأخرت "
" إيه اللي كان هيحصل لو كُنت رديت على التليفون؟ "
" كُنت هتحصلها "
" مش فاهم! "
" أنا باجي هنا الساعة 6 إلا ربع بالظبط عشان أنقذ الناس اللي زيِّك، محدش عارف بالظبط مين اللي بيتصل، بس عندنا شهور بتقول إن اللي بيرُد على التليفون بينُط من فوق السور بعدها بدقايق "
" هو فيه أكتر من حد رد؟ "
" 9، عندنا 9 حالات وفاة من بعد وفاة كريستين، كلهم شافوها وإتكلموا معاها، ردوا على التليفون، نطوا من فوق السور وراها بعد دقايق "
" يعني هي بتقنع الناس ينتحروا؟ "
" مش عارف بصراحة ... "
" يعني اللي على التليفون دا بيقول إيه للناس عشان يقنعهم ينتحروا؟ "
" مش عارفين، ومفيش أدامنا حاجة عشان نعرف غير إن حد يتطوَّع بالرد على التليفون "
.
روح كريستين عالقة في المكان وغاضبة
بتتخذ من قتل الناس وإقناعهم على الإنتحار وسيلة لتهدئة نفسها
من حسن حظ الشخص دا انه مردش على التليفون دغم وصول الحارس متأخر
.
.
#بتاع_الرعب
#حدث_بالفعل
#قصص_حقيقية_حول_العالم