الإضاءة في الحمام كانت ضعيفة، بالعافية يعني كانت منوّرة الحوض، أما بقية الحمام فكان منوّر بنور ضعيف خافت، كُنت واقفة جنب حوض الاستحمام، بتفرّج على المية وهي بتملاه ببطء، سبت الحمام وخرجت، هجيب فوطة من الخزانة اللي في الصالة، اخترت فوطة صفرا قديمة فيها بعض الثقوب الصغيرة في الركون الأيمن، قفلت باب الخزانة، لفيت وقبل ما أرجع للحمّام بصيت ناحية الظلام الموجود في نهاية الممر بخوف، دقات قلبي كانت بتزيد ونفسي كان بيتقطّع، حاولت أسيطر على خوفي وأنا بتنفس بعُمق، ومشيت التلت أو الأربع خطوات اللي بيني وبين الحمّام بحذر شديد، دخلت وقفلت الباب بسُرعة على نفسي، ضحكت على نفسي، وقعدت على التواليت وهو مقفول، حامل الفوط عندي مكسور من حوالي سنة تقريبًا، مش فاضية أصلحها بصراحة، حطيت الفوطة على التواليت المقفول وأنا بقفِل المية، قلعت هدومي ودخلت حوض الاستحمام، حسيت بالاسترخاء وأنا بغطس في المية الدافية، وكأنها بتغسل عني كُل توتر وتعب اليوم، على الأقل في الوقت الحالي
غمضت عينيّا، حاولت أنسى اليوم المُرهق اللي خُضته النهاردة في الشُغل، أنا بشتغل نادلة في واحد من المطاعم الكبيرة، خلال يوم العمل بتاعي لازم أسمع وأنفذ أوامر المُشرف بتاعي، أتعامل مع الزباين قلالات الذوق وأحيانًا كمان بيكونوا قلالات الأدب، أنضّف ورا الأطفال اللي بيوقعوا مُعظَم أكلهم على الأرض، إتنهدت وأنا بغطس أكتر في المية، لكن فجأة بدأت حنفية حوض الاستحمام تنقّط ببطء، صوت التنقيط كان بيوترني وبيعصبني
تك ... تك ... تك ...
فتحت عينيّا وبصيت ناحية الحنفية، مش ناوية أتحرّك من مكاني عشان أقفلها، بس الغريب إني لمّا بصيت عليها مشوفتش ولا نقطة بتنزل منها، كشرت وأنا قاعدة مكاني، حاولت أقفلها كويس، لكنها فعلًا مقفولة كويس وعلى الآخر، وأنا مايلة عشان أقفلها، انعكاسي لفت نظري، انعكاسي المشوه على سطح المية الباهتة اللي بتتهز، شكلي كان غريب شوية، يمكن لأن المية بتتهز بسبب حركتي، شعري القصير اللي يدوب واصل لودني بالعافية كان أطوّل في الانعكاس، عينيا الزرقاء اللامعة كانت عريضة وواسعة وشكلها غريب، ملامح وشي الجميلة كان شكلها مشوه وغريب في الانعكاس، ضحكت وأنا بطلّع لساني لانعكاسي، لكن فجأة اتجمدت مكاني وأنا ببُص على شمال انعكاسي على سطح المية، ببص للشكل الغير آدمي الشبه مُظلم اللي واقف على شمال انعكاسي
تك ... تك ... تك ...
حسيت بالخوف، لفيت ورايا بسُرعة عشان أشوفه، الحنفية حرجت ضهري بقوة، بس مفيش حاجة هنا، الباب بدأ يتفتح ببطء، بصيت ناحية الباب، قلبي كان بيدُق بقوة، أنا عارفة صوت الباب كويس أوي، أنا ساكنة في البيت دا من زمان، وعارفة كويس إن الصوت دا طبيعي، الباب مكسور ومش بيتقفل بسهولة فطبيعي إن الهوا يحركه، لكن أنا لسّه قلقانة من الشيء اللي شُفت انعكاسه، خرجت من حوض الاستحمام ورجعت الباب مكانه مرة تانية، وأنا راجعة شُت انعكاسي في المراية اللي فوق الحوض، جسمي كان بيترعش، مش عايزة أكمّل الشاور الدافي اللي قعدت اليوم كُله أخطّط ليه وأحلَم بيه، دخلت حوض الاستحمام تاني عشان أغسل جسمي بسُرعة وأخرج من هنا، حسيت بنقطة مية بتنزل ببطء على مُنتصف ضهري بالظبط، لسّه خايفة، نشفت ضهري كويس وبصيت ورايا
تك ... تك ... تك ...
تك ... تك ... تك ...
تك ... تك ... تك ...
نطيت من مكاني بسبب الخوف، حاولت أخرج من حوض الاستحمام، وبقولكم حاولت لأني منجحتش في الخروج، رجلي الشمال اتعلّقت فيه وركبتي خبطت في جانب الحوض بقوة، رجعت لورا بقوة وراسي خبطت في الحائط، حسيت بالدماء بتنزف من أنفي وفمي، بصيت على الحائط وشُفت مكان الدم، وقعت في المية اللي بدأ لونها يتغيّر بسُرعة للون الدم، حسيت إني دايخة ومش مركزة، فمي كان مليان دم، قفلت عينيا بسبب شدة الألم، كُنت بعيّط، كُنت غضبانة من نفسي جدًا إني خوفت نفسي على الفاضي وآدي النتيجة، حاولت أغسل الجروح وأوقّف النزيف، فتحت سدادة الحوض، كُنت متضايقة، بصيت ورايا تاني ... لكن مفيش حاجة، مفيش حاجة ورايا
حطيت إيدي على الجرح اللي في راسي عشان أحاول أوقّف النزيف، خدت الفوطة وكتمتها بقوة على راسي، بصيت تحت ... على ركبي، كان فيه كدمة قوية ولنها متغيّر رغم مرور دقايق على الخبطة، بركة مية ودم تحت جنب رجلي، لكن المُخيف، إن انعكاسي في البركة مكانش هو الانعكاس الوحيد، قصاد انعكاسي كان فيه انعكاس لبنت صُغيّرة، لابسة فستان أبيض قذر وشعرها أسود طويل واصل لحَد ركبها، ملامح وشها مش باينة كويس بسبب المية المعكّرة
بخوف وبطء بصيت لفوق، سبت الفوطة تقع على الأرض، وصرخت ... صرخت أعلى صرخة صرختها في حياتي، شكل الـ ... الشيء الحقيقي كان مُخيف ومُرعِب أكتر من الانعكاس، شكلها كان مُفزِع، كانت نحيفة جدًا، رجليها بتنتهي بمخالب زي رجلين الكلاب أو الذئاب، ركبها مُنحنية وهي واقفة بتبصلي، إيديها جنبها، طويلة وواصل لحَد الأرض، لسّه شعرها طويل وفستانها الأبيض قذر، لكنه كان صغيّر على جسمها الطويل، لكن الجُزء الأسوأ كان شكل وشها، كان فيه شق في وشها مكان فمها، مفيش شفايف ... مُجرّد شق، وكانت مُبتسمة أكتر ابتسامة مُخيفة شُفتها في حياتي
بمُجرّد ما صرخت، الابتسامة اختفت وفتحت فمها، شُفت وراه صفين من الأسنان الحادة، صرخت تاني وأنا برجع لورا لحَد ما لصقت في الحيطة، كُنت بحاول أبعد عن الـ ... عن الشيء دا، لكن قبل ما أتحرّك الشيء دا مد إيده الطويلة ومسك كعبي، شدني بقوة ووقعت على الأرض، الخبطة كانت قوية لدرجة إني شبه مُتأكدة من إن جُزء من جُمجمتي إتكسَر، بدأ يشدني بقوة ناحيته، مديت إيديا وبدأت أدوّر على أي حاجة أمسك فيها، نجحت في إني أمسِك في التواليت بقوة، بدأت أضربه برجلي الحرة وأنا بصرخ، بدأ يشدني بقوة أكبر وهو بيرجع لورا، بدأ يدخل جوا المراية وبيحاول يشدني جواها، ضربته أكتر وأقوى لحَد ما نجحت في تحرير نفسي، لكن راسي إتخبطت في طرف التواليت، رؤيتي مبقتش واضحة، بدأ يدخل كُله جوا المراية، لحَد ما اختفى، وقفت بقوة وأنا بضرب المراية بإيدي بكسرها قبل ما أقع على الأرض عشان يغمي عليّا بصمت في الحمام المليان دم!
.
الشرحلمّا فاقت طلبت الشُرطة والاسعاف، ولمّا وصلوا حكت ليهم على كُل حاجة، الإسعاف بيقول إنها مُمكِن تكون إتزحلقت وهي بتخرج من حوض الاستحمام وتخيّلت كُل دا بالكامل بسبب الارتجاج اللي حصل لها لمّا خبطت راسها
لكن الشُرطة والطب الشرعي بيقولوا إن فيه علامات صراع فعلًا وإنها كانت بتقاوم، دي مش مُجرّد واحدة بتتخيّل
البنت سابت البيت وقعدت في بيت تاني
قولولي في الكومنتات ...
إنت ميّال أكتر لرأي الإسعاف إن دي مُجرّد تخيلات بسبب الخبطة اللي في راسها
ولا ميّال أكتر لرأي الشُرطة والطب الشرعي إن فعلًا في صراع دار هنا في الحمام بينها وبين شيء ما
وليه؟
.