الساعة كانت 10 صباحًا، بجري في كُل مكان في البيت بدوّر على الحذاء بتاعي، بحاول أجهَز عشان ألحق ميعادي مع واحد من أصدقائي القُدام الساعة 11 صباحًا، بقالي أكتر من سنتين مشوفتوش، كُنت مُتحمِسة جدًا، ومش عايزة أتأخَّر عليه، عايزة أكون هناك في الميعاد المُناسِب عشان أشوفه وأقابله، عشان أحضنه، عشان أقوله إنه واحشني أوي، مش قادرة أصبُر
ناديت على ماما، اللي كانت في أوضة تانية وأنا بقول: " ماما! شُفتي الحذاء الأسود بتاعي؟ اللي فيه الُرباط الأبيض؟ "
ردَّت عليَّا بصوت عالي عشان أسمعها: " دوري في الجزَّامة، يمكن أكون حطيته هناك وأنا بنضَّف البيت "
كانوا فعلًا في آخر الجزَّامة، وهي في الحقيقة عبارة عن صندوق كبير بنحُط فيه الأحذية اللي مش بنستعملها، أنا كُنت شاكَّة إنه هنا بالفعل، بس كسلت أدوَّر عليه، قعدت على الكُرسي اللي جنب الباب وأنا حاسَّة بالحماس، بدأت ألبس الحذاء بتاعي، بمُجرَّد ما أخلَّص هخرج من الباب بأقصى سُرعة وأنا مُتحمِسة جدًا عشان أقابل صديقي المُفضَّل القديم، بقالنا شهور طويلة بنتكلِّم أونلاين وبنجهِّز للقاء دا، إحنا الإتنين كُنا مبسوطين، في آخر لحظة وقبل ما أقوم من على الكُرسي، حسيت بخبطة خفيفة على كتفي من ورا، بصيت ورايا وشُفته.. أخويا إيدي، أخويا الصُغيَّر اللي عنده خمس سنوات، ماسك الدُمية بتاعته واللي هي عبارة عن بنت صُغيَّرة مصنوعة من الصوف وبواقي الهدوم القديمة، لابسة قُبعة مصنوعة من الورود، كان حاضن العروسة أوي
على وشه فيه نظرة قلق، وملامحه كلها خوف، قالي: " بيلا.. إنتي رايحة فين؟ "
" هروح أقابل صديق قديم، أكيد إنت فاكره؟ هو.. "
إيدي قاطعني: " أرجوكي.. بلاش! "
القلق اللي في عينيه تحوَّل لحُزن، بدأ يعيَّط بهيستيريا، كان بيترجاني إني أفضل في البيت
حاولت أحضنه وأهديه وأنا بقوله: " إيدي! إنت ليه بتعمل كدا؟ ممكن تبطَّل؟ "
لكنه كان بيعيَّط أكتر، كان في حضني لكنه محركش إيديه عشان يحضني هو كمان، العروسة لسَّه في حضنه هو، حاضنها بقوة مش طبيعية، مكُنتش فاهمة إيه اللي بيحصَل، أخويا الصُغيَّر اللي عنده خمس سنين كان بيردِّد بإصرار: " أرجوكي بلاش تروحي! أرجوكي بلاش تروحي! أرجوكي بلاش تروحي! أنا محتاجلك! أرجوكي بلاش تروحي! "
مش عارفة المفروض أعمل إيه، أو حتى أقول إيه، إزاي ماما مش سامعة اللي بيحصَل دا؟ بصيت في ساعتي، 10:30 صباحًا، اللعنة! لازم أمشي عشان أشوف صديقي، لو مخرجتش دلوقتي.. هتأخَّر! بس مش هينفع أسيب أخويا وهو في الحالة دي، عشان كدا فكرت شوية.. وخدت القرار اللي شُفت إنه صح من وجهة نظري
إتنهدت وأنا بقوله: " إيدي، خلاص اهدى أرجوك.. خلاص مش هروح في حتة "
خلال ثواني الموقف إتبدِّل تمامًا، إيدي ابتسم وهو بيبُصلي، دموعه اختفت تمامًا، حضني وهو بيجري برا الأوضة
كُنت متضايقة جدًا، سمعت صوت تليفوني، بصيت على الشاشة، رسالة جديدة من ماثيو
(إنتي فين؟ مش لاقيكي!)
رديت عليه برسالة: (أنا آسفة، إيدي مش كويس، مش هقدر آجي)
رد برسالة: (تمام)
في الوقت دا كان لسَّه إيدي بيتصرَّف بطريقة غريبة، كان بيقولي المفروض أعمِل إيه ومعملش إيه، إمتى أتصرَّف بالشكل دا، وامتى متصرفش بالشكل دا، دا كان غريب جدًا، وبصراحة كُنت متضايقة جدًا.. بس مكُنتش عايزة أزعجه، مش عايزة أضايقه، هو أكيد بيكبر.. صح؟
عيد ميلادي الـ 17 بيقرَّب، وكُنت مُتحمِسة جدًا جدًا ليه، بس برضه كُنت زعلانة ومتضايقة لأن جدتي ماتت في نفس اليوم من 8 سنين تقريبًا، كُنت قريِّبة منها جدًا، وكان صعب عليَّا أحتفل بعيد ميلادي لفترة بعد موتها، قررنا أنا وماثيو نتقابل مرة تانية قبل عيد ميلادي بيوم، قررنا نشوف بعض في الحديقة العامة، في ساعة مُبكرة اوي من الصباح، نوع من أنواع هدية عيد الميلاد يعني، هديتي كانت إننا نتقابل، أخيرًا اليوم جه، كُنت مُستعدة جدًا عشان أشوف ماثيو مرة تانية، كُنت على وشك أفتح الباب وأخرج، لكن سمعته.. سمعت ماثيو بيصرُخ صرخة رعب عُمري ما سمعت زيها قبل كدا، قفلت الباب وجريت بسُرعة ناحية أوضته أنا وماما، إيدي كان نايم على الأرض وبيعيَّط وهو بيصرخ، وبرضه كان حاضن العروسة بتاعته!
" بيلا، أرجوكي خليكي، بيلا، خليكي معايا، أنا مش عايزك تموتي! "
حضنته وأنا بحاوِل أهديه، ماما كمان كانت بتطبطب عليه بحنية، في النهاية هدا شوية ونام في حضني، أنا إهتميت بإيدي وركزت معاه لدرجة إني نسيت أعتذر لماثيو إني مش هقدر أشوفه، حطيت إيدي في سريره برفق، كان لسَّه حاضن عروسته بقوة، طمنت ماما إن خلاص هو بقي كويس، ونزلت تحت عشان تتفرَّج على التليفزيون، كانت زي أي حد كبير، بتحب تتفرَّج على نشرة الأخبار، قعدت جنبها وبدأت أتابع النشرة بعدم اهتمام، لكن الخبر اللي كان بيتعرض، واللي أنا شُفته على شاشة التليفزيون.. دخلني في حالة صدمة!
شهقت وأنا بحُط إيدي على بقي وأنا بتابع النشرة
(تم القبض على ماثيو ... وتم توجيه تهمة قتل 17 فتاة شابة إليه، جُثث الفتيان وُجِدَت مُقطعة ومشوهة في منزل والدته المهجور بعد وفاتها، تقول السُلطات أنه..)
قفلت التليفزيون وأنا بعيَّط، سمعت صوت خطوات بتقرَّب مني، رفعت راسي وأنا بشوف إيدي واقف ورايا، حاضن عروسته
من بين دموعي سألته: " إيدي.. إنت ليه مكُنتش عايزني أخرُج النهاردة؟ "
ابتسم وهو بيقولي: " كُنتي هتموتي.. العروسة هي اللي قالتلي أحذرك.. اسمها ليزا وبتقول إنها هنا عشان تحميكي من أي حاجة! "
.مش كلنا محظوظين بشكل كافي إن الملاك الحارس بتاعنا هيظهر في الوقت المُناسِب، فيه مننا للأسف ملاكه الحارس بيظهر متأخّر أو مش بيظهر أساسًا
الملاك الحارس هنا روح بنت اسمها ليزا.. أنا مُتأكِّد ومن غير ما أبُص في قايمة أسماء الضحايا (متمش ذكرها أبدًا) إن فيهم بنت اسمها ليزا، بتحاوِل تساعد الضحايا المُحتملين لماثيو وتنقذهم منه
إدعوا ربنا يكون ليكم ملاك حارس.. ويكون من اللي بيظهر في الوقت المُناسِب
..