181

1K 108 14
                                    

" يا نهار أسود! "

صرخت بيها فجأة وأنا ببُص في ساعتي، أنا وجيمس اتفقنا إني لو اشتغلت من البيت، دي هتكون أنسب طريقة أقدر أحافظ بيها على دراسة وأنشطة الأولاد

ودلوقتي.. زي ما انتم شايفين.. أنا بفشَل في دا

لبست جاكيت طويل فوق البيجاما اللي كُنت قاعدة أشتغل بيها في البيت، ومسكت مفاتيح العربية، كُنت بسوق بسُرعة جنونية وتهوُّر شديد، بس فكرة إن ابني المسكين قاعد لوحده في حديقة المدرسة مستنيني كانت مؤلمة

ركنت العربية أدام المدرسة، ويدوب في أقل من ثانية، ولد أشقر لطيف قرَّب منها، فتح الباب وطلع قعد في المكان اللي متعوِّد يقعُد فيه

" إزيِّك يا مامي! "

سلِّم عليَّا بمرح، شعره الأشقر الناعم كان بيلمع من العرق، على الرغم من إن الجو برد جدًا

ابتسمت وأنا ببٌصله، على الأقل هدومه لسَّه نضيفة

" إزيَّك يا تومي! شكلك جريت كتير النهاردة؟ "

قال ببراءة: " مش كتير أوي! "

طلَّع كتاب الرسم والتلوين بتاعه وبدأ يلوِّن فيه، بس كان بيلوِّن بغضب، وأكيد هلاقي حد منكُم مش فاهم يعني إيه بيلوِّن بغضب، كان غضبان لدرجة إن قلم الألوان كان بيقطَّع الورقة وبيخرمها

سن الخمس سنوات سن غريب.. صح؟

أخته الأكبر منه هادية أوي، لطيفة وبتسمع الكلام وبتحب المدرسة، مش قادرة أصدق إن تومي كبر وبقى عنده خمس سنوات

يمكن عشان هو ولد وهي بنت؟ بيقولوا تربية الأولاد دايمًا أصعب

" ماما، أنا جعان، هو إحنا هنتغدى إيه النهاردة؟ "

اللعنة! أنا نسيت أجهز الغدا، كُنت ملبوخة مع جيمس ومع البنت لدرجة إني نسيت تمامًا موضوع الغدا دا

كُنا واقفين في إشارة حمرا، طلعت تليفوني وبعت لجيمس رسالة، تومي لسَّه بيقطَّع ويخرَّم دفتر التلوين بالألوان، بس على الأقل قاعد ساكت وسايبني في حالي

" متقلقش يا حبيبي، ماما هتتصرَّف "

" مُمتاز "

دلوقتي لازم أستعد عشان مُشكلة جديدة بيني وبين جيمس في سلسلة المشاكل اليومية اللي مش بتنتهي أبدًا، طبعًا هيقولي إني مينفعش أكون أم أو آخد بالي من البيت، هيقولي إني منفعش آخد بالي من الأولاد، وإنهم لو اعتمدوا عليَّا هيموتوا من الجوع

أفكار شريرة بدأت تعدي في دماغي، هو إحنا أصلًا ليه عندنا 3 أولاد؟ ما كان كفاية أوي إتنين يعني

" ماما "

" نعم يا حبيبي "

" أنا جعان أوي "

تومي جعان فعلًا، ولسَّه أدامنا شوية على ميعاد الأكل، وقفت أدام مطعم أكل مشهور أوي، واشتريت له سندوتش عشان يسكُت شوية

وصلنا البيت أخيرًا، ركنت العربية ولاحظت إنه أكل اللحم بس، ساب كُل حاجة تانية، ساب العيش، السلطة، المخلِّل، والجبنة، غريب! طول عمره بياكل السندوتش كله

سبت تومي يلعب في الدور اللي تحت، ورُحت ناحية مكتبي، لو استغلت بسُرعة، هلحَق أخلَّص شُغلي كُله قبل جيمس ما يرجع من برا، بنتنا الصُغيَّرة معاه، وبنتنا الكبيرة بتذاكر مع بنت الجيران، من حُسن حظي إن جيراننا مؤدبين ومُحترمين، بكون متطمنة على البنت أوي وهي هناك

ساعة كمان، ساعة شُغل كمان وهخلَّص، حاولت أقنع نفسي بكدا، شغلت الموسيقي اللي بحبها ولبست السماعات، ودفنت نفسي وسط الشُغل

احساسي بالجوع هو اللي لفت نظري إن بقالي كتير بشتغل، عدى وقت طويل أوي من غير ما آخد بالي، ولتاني مرة النهاردة لقيتني بقول بصوت عالي

" يا نهار أسود! "

الساعة 10 مساءً

هو جيمس إزاي لسَّه برا البيت لحَد دلوقتي؟

نزلت السلم بسُرعة وغضب، بس فجأة وقفت في نُص السلم، الخوف نشِّف الدم في عروقي، لمَّا شميت الريحة فهمت وأدركت كُل حاجة

جيمس والبنتين ميتين، دمهم مالي حيطان الأوضة اللي جوا، وأشلائهم في كُل مكان، عينين جيمس مفقودتين، فاكرة صراخه قبل ما أقتله، وفاكرة بكاء البنات، بس أعتقد محدش تاني سمعه، لأن لو حد كان سمعه كان بلَّغ الشُرطة

بس هُمَّا مش لوحدهم جوا في الأوضة

تومي كمان ميت معاهم، أنا قتلته بإيديَّا

سمعت صوت خطواته، بصيت ورايا وشُفت الابتسامة الشيطانية على وشه

قالي بصوت مُرعِب: " إنتي ملعونة "

كُل حاجة اسودَّت أدام عينيَّا

.

" يا نهار أسود! "

صرخت بيها فجأة وأنا ببُص في ساعتي، أنا وجيمس اتفقنا إني لو اشتغلت من البيت، دي هتكون أنسب طريقة أقدر أحافظ بيها على دراسة وأنشطة الأولاد

ودلوقتي.. زي ما انتم شايفين.. أنا بفشَل في دا

.

الأم محبوسة في دايرة زمنية أظن إنها بنسبة كبيرة جدًا نفسية، بمعنى إيه؟
كُل يوم تصحى الصُبح تشتغل شوية، تكتشف إنها إتأخرت على الولد، تجري تجيبه، الولد جعان، بتجيب برجر، بياكل اللحم بس، بتنسى نفسها في الشغل، بتكتشف انها قتلتهم بسبب الضغوط النفسية والمشاكل اللي مبقتش قادرة تحتملهم، بتكتشف الحقيقة، بيظهر لها الولد (اللي مش موجود) عشان يفكرها إنها ملعونة، بينتهي اليوم، ويبدأ تاني من الأول
زي فيلم ألف مبروك كمثال يعني
في ظني إن الضغوط والمشاكل والتوتر خلوها مبقتش قادرة تستحمل فقتلت جوزها وبناتها، لكنها مش قادرة تتحمِّل الفكرة، فبتنساها، وتصحى الصُبح تبدأ يومها من جديد لحَد ما بتكتشف اللي حصل
لكن..
أنا بقي مُقتنع بحاجة تانية، إن الموضوع له علاقة بشيطان، والشيطان اللي ماسسها هو اللي حابسها في اللوب دا، وفيه شوية علامات على دا، زي إنه كُل يوم ياكل اللحمة بس، أو زي الابتسامة الشيطانية اللي بتظهر على وشه وهو بيبلغها إنها ملعونة
إنت ميَّال أكتر لإيه؟
مريضة نفسية؟ ولا فيه شيطان مستحوِّذ عليها؟
قولوا رأيكم في الكومنتات..

.
.

.

قصص رعبحيث تعيش القصص. اكتشف الآن