كان عندي تمن سنين لمَّا أخويا جوش مات، أنا فاكر الموضوع بوضوح دلوقتي، فاكر كُل التفاصيل من ساعة ما صحيت، لحَد آخر نَفَس إتنفسه، كان أكبر مني بسنتين، كُنا بنتخانق دايمًا بسبب أو بدون سبب، زينا زي أي أخين في الدنيا، اليوم دا مكانش مُختلِف، صحينا من النوم بدري قبل ما أهلنا يصحوا من النوم، نزلنا السلم بسُرعة، وهو سبقني، دايمًا كان بيسبقني، كُنت متضايق منه جدًا، بعد ما خلصنا فطار، خرجنا برا عشان نلعب، كان صباح صيفي دافئ، حسيت بالحرارة أول ما فتحت الباب، لعبنا لساعات وساعات بدون توقُّف، دي واحدة من أجمل ذكرياتي معاه
مات وقت الظهيرة، سقوط طويل، صرخة، وخبطة، الموضوع حَصَل بسُرعة، وقفت مكاني مُتجمِّد، شُفت بركة الدم وهي بتكبر، سمعت آخر نفس وهو بيخرُج من صدره، صدمة، أهلي قالوا إني كُنت في صدمة، امتنعت عن الكلام لمُدة أسابيع، راقبت عربية الإسعاف وهي بتوصَل، المُسعفين ورجال الإطفاء كانوا بيجروا في كُل مكان وهُمَّا بيصرخوا بهيستيريا، مشوا بعد شوية وسابونا لوحدنا، بابا وماما كانوا بيعيطوا بحُزن، كُنت ساكت في الجنازة، كُنت ساكت وهُمَّا بينزلوا التابوت في المقبرة، كُنت ساكت وهُمَّا بيردموه بالتُراب، إتكلمت لمَّا شُفت شاهد القبر
انتقلنا بعد الجنازة بوقت قُليِّل، ماما مقدرتش تعيش في البيت أكتر من كدا، وبابا كمان كان موافقها في قرارها، بس كان بيقول إن البيع هيخسرهم فلوس كتير، لكن هي مكانتش مُهتمَّة، مفيش أي فلوس في الدنيا هتقدَر تقنعها بالبقاء هنا، بالبقاء في المكان اللي جوش مات فيه، كُنت عارف إنها مش هترجَع زي الأول
البيت الجديد كان أصغَر من البيت القديم بشوية، بس أنا حبيته، البيت كان لطيف ودافئ، وعلى الرغم من إن جوش واحشني، إلا إني كُنت فرحان جدًا إن هيبقالي أوضة لوحدي، أرتبها براحتي، أكبر فيها لوحدي
مرَّت الأيام، الأسابيع، والشهور، ومفيش حاجة إتغيرت، كان فيها هالة من الكآبة حوالين الأسرة دي، الحُزن مسيطر علينا ومش هيسيبنا، الأيام كُلها شبه بعض، محدش فينا مُهتَم بالحياة زي الأول، الحُزن كان المُسيطر الأساسي علينا كُلنا
أول مرة سمعت الصوت جاي من الحيطة كان بعد وفاة جوش بشهور، كان يوم عادي زيه زي أي يوم تاني، يوم كئيب ومش لطيف، راحت عليَّا نومة في اليوم دا، بس صحيت وأنا عارف بطريقةٍ ما إن فيه حاجة مش طبيعية بتحصَل جنبي، الصوت كان جاي من الحيطة بطريقةٍ ما، الموضوع كان زي الضغطة، كليك ... كليك، حاجة عُمري ما سمعتها قبل كدا، قعدت في السرير بخوف، بحاول أحدِّد المكان اللي الصوت جاي منه تحديدًا
بعد حوالي دقايق عينيَّا بدأت تاخد على الظلام، ساعتها شُفت حُفرة في الحيطة، حُفرة صُغيَّرة أد مقبض الباب، بس كُنت عارف إنها مصدر الصوت، قعدت على سريري وأنا بترعش من الخوف، مش عارف ليه، لاحظت بعدها إن الحُفرة بدأت توسَع، بس لمَّا بركِّز بلاقيها نفس الحجم، دخلت تحت الغطا وأنا بترعش من الخوف، كُنت نايم مكاني ثابت زي المشلول، مش قادر أتحرَّك أو أعمل أي صوت، كُنت سامعه بيتحرَّك حواليا، كأنه بيستكشِف المكان، بيدوَّر، فضلت تحت الغطا لساعات، لحد ما أغمى عليَّا من كُتر الخوف