تيراتا، المُصطلح الطبي الشهير للرضَّع المشوهين بشدة، واللي بيعني (وحش) باللاتيني، التيراتا غالبًا مش بيعيشوا، بس في بعض الحالات النادرة جدًا بينجوا وبيفضلوا على قيد الحياة، أنا كُنت واحدة من الاستثناءات دي
الناس لمَّا بيشوفوني بيظهر عليهم علامات التقزز والقرف، ودا لأني مولودة بتشوهات شديدة في الوجه، وللأسف التشوهات أسوأ وأكتر من إن يتم علاجها، ودا السبب اللي خلاني عُمري ما خرجت من المكان اللي إتولدت فيه، أنا إتولدت هنا في المُستشفى العام وفضلت هنا طول عُمري
معنديش مكان تاني أروحه، محدش عايزني، مليش قرايب، مفيش دار أيتام أو بيت رعاية قبلوا بيَّا، مفيش وكالات أو جهات تبني رضت بيَّا، والرد دايمًا واحد: " شكلها هيخوِّف بقية الأولاد "
هُمَّا اللي بيقولوا كدا، عشان كدا أنا إتربيت هنا، وسط العاملين بالمُستشفى، المكان هنا ضخم، وأنا قضيت جُزء كبير من طفولتي وأنا بستكشفه، بمشي في القاعات أثناء الليل، الممرات، الغُرف، كُل مكان في المُستشفى من الدور الأرضي للسطح، ودايمًا كُنت لوحدي، دايمًا كُنت بحاول أتجنَّب إن حد من المرضى أو الزائرين يشوفني أو يلمحني
لمَّا كبرت شوية، نقلوني من الغُرفة اللي كُنت قاعدة فيها، لقبو صُغيَّر خاص بطاقم العاملين بالمُستشفى، مكان زي مخزن كدا، الصُحبة الوحيدة اللي كُنت بلاقيها تحت هنا كانت من العناكب الخطيرة، كانوا موجودين في كُل مكان، كُنت بتكلِّم وبفضفض معاهم، بس طبعًا مكُنتش أقدر أكلمهم بوضوح أو بصوت عالي، لأ ... كُنت بهمِس لهم، غرفتي تحت هنا كانت مليانة بالكُتب القديمة، روايات قديمة، وموسوعات كاملة، كُنت بقضي ساعات طويلة في إني أقراهم بصمت، مؤخرًا تخلصوا من بعض الكومبيوترات القديمة ورموها تحت هنا، ساعتها قررت أشغَّل واحد منهم وأكتب قصتي للناس، رموا كمان بعض الملابس القديمة، كدا حاجاتي زادت شوية، بقى عندي شوية كُتب، شوية هدوم، كومبيوتر قديم، وأهم كنز عندي على الإطلاق كان صورة أمي، أمي اللي قالولي إنها ماتت وهي بتولدني
بدأت أشتغل في المُستشفى، بس مش خلال النهار أبدًا، كدا خطر لأن ناس كتير مُمكِن تشوفني، عشان كدا كُنت بشتغل بالليل، لمَّا أغلب المرضى يكونوا نايمين، ولو حَصَل وحد منهم شافني، ببقي محضرة نفسي لرد فعلهم، بستناهم يلاحظوني، يبينوا خوفهم، وبعدين ندمهم، في النهاية بقى بييجي دور الشفقة، بيشفقوا عليَّا وهُمَّا بيتخيلوا هيعملوا إيه لو كانوا مكاني، ساعات، وغالبًا في حالة الأطفال، لمَّا بيشوفوني بيظهر عليهم الخوف والرعب بس، والأسوأ لمَّا بيتكلموا عني، كأني مش هفهم بيقولوا إيه، وكأن عقلي هو كمان مشوه زي ملامحي، عُمري ما رفعت نظري عن الأرض، بضطر أتحملهم، في النهاية سواء كانوا مرضى أو زوَّار فهُمَّا ضيوف في المكان لوقت قليِّل وخلاص
من كام سنة كُنت بعمل روتيني الليلي، بشيل القمامة وبنضَّف الحمامات أثناء نوم المرضى، في واحدة من أكبر الغُرف وأكثرهم خصوصية، كان فيه ست نايمة، دايمًا بحاول أتجنَّب المرضى، بس الست دي بالذات مقدرتش أمنع نفسي من النظر ناحيتها، أنا عارفاها، دي نفس الست اللي في الصورة اللي معايا، بس دي أكبر، دي ... دي أمي!