لمَّا بيحصلِّي الجاثوم، بشوف شيطان شكلُه مُرعِب، بس مش دا اللي بيخوفني، اللي بيخوفني.. إنه شبه بنتي بالظبط..
.
طيب.. أنا عارف إنتم بتفكروا في إيه، إن أنا مبتعرَّضش للجاثوم، وإن شبحها هو اللي بيطاردني، والله.. أنا شخصيًا أتمنى لو الموضوع كان بالبساطة دي، هقولكم حاجة.. في الحقيقة، الشيء دا بيطاردني من أيام ما كُنت طفل صُغيَّر
الطبيب النفسي اللي بشوفه بيقول إن دا بيحصَل بسبب صدمة غير محلولة حصلِت بسبب فُقداني لأمي في سن صُغيَّر، خصوصًا إني أول مرة حصلِّي الجاثوم كانت بعد الحادثة دي
موت والدتي كسر والدي، خلاه ينعزِل عن العالم ويتقوقَع على نفسه، للأسف.. إحنا عائلتنا مش كبيرة، عشان كدا موت والدتي وانعزال والدي سابوني لوحدي، أواجه مشاكلي وأحبها بنفسي، وأنا كان سني صُغيَّر أوي، مكانش عندي أي فكرة عن اللي بمُر بيه، بابا مكانش موجود عشان يساعدني، كُل اللي كان بيعمله إنه كان بيبُصلي بقرف في كُل مرة بحكيله فيها عن البنت اللي بتظهرلي في الأوضة، كان فاكِر إني بعمِل كدا عشان أكون محوَّر الاهتمام، بس أنا.. أنا كُنت خايف، في النهاية.. إتعلمت حاجة مُهمة.. إني لازم أسكُت وأحتفظ باللي بيحصَل لنفسي
المُشكلة إني لو كُنت فاهِم إيه اللي بيحصَل، كُنت فهمت أقدر أعالجه أو أتغلَّب عليه إزاي، إنما دلوقتي أنا عارف إزاي نتغلَّب على الجاثوم، حاجات بسيطة وسهلة أوي، زي محاولة التنفُّس بعُمق، تهدئة النفس، محاولة تحريك صوابع الأقدام
لكن وقتها مكُنتش أعرف الحاجات دي كُلها، إنتم مش مُتخيلين أد إيه حسيت بالارتياح لنَّا اكتشفت يعني إيه جاثوم، كان صديق ليَّا بيحكيلي قصة مُرعبة، وبمُجرَّد ما عرفت أنا بمُر بإيه، الباقي كُله كان سهل، كُنت عارف إن دي حالة طبية، مش شيطان ولا شيء خارق، وواحدة واحدة إتعلمِت أتعامِل معاها إزاي
بمرور الوقت كُنت بكبَر، وكوابيسي كانت بتقل، قابلت واحدة وحبيتها، أتجوزنا، وخلفنا أحلى بنت في العالم، وعلى الرغم من المشاكل النفسية اللي بمُر بيها، طول ما حُب حياتي كانت جنبي، الجاثوم كان بيقل بالتدريج، لحَد ما بقي نادر أوي لو تعرضت للموضوع
لحَد ما بنتي كبرت، ووشها بقي وش مألوف بالنسبة لي أوي، مكُنتش مصدَّق اللي أنا بشوفه أدامي، الدكتور النفسي بتاعي بيقول إن دا عقلي بس بيتلاعَب بيَّا وبيعمِل إسقاط على اللي كان بيحصلي عشان يضيف عليه نوع من الواقعية، وإن عقلي الباطن هو اللي زرع وش بنتي في ذكرياتي وفي كوابيسي، بس أنا عارف أكتر منه، أنا اللي عشت مع الوش دا، الوش اللي طاردني طول عمري وطول حياتي، مُستحيل.. أنا مش هصدّق الكلام الفاضي اللي هو بيقوله دا، وكانت النتيجة إن ثقتي فيه وفي التقدُّم اللي احرزناه بتقل
رد فعلى على التطوُّر دا كان أسوأ رد فعل مُمكِن تتصوروه، بدأت أبعد عن بنتي، أنا عارف إن دا أكتر اعتراف فظيع مُمكِن أب يعترفه، لكن قُربي منها كان بيفكرني بالتجربة السيئة اللي خضتها طول عُمري، بدأت تحصَل مشاكل قوية بيني وبين زوجتي، مكانتش قادرة تفهم اللي بمُر بيه، مكانتش قادرة تفهم الصراع اللي بيحصل جوايا، ومكانتش قادرة تفهم سبب بُعدي عنهم، وبدون أي مُقدمات أو مُبررات، بدأت أقضي معاهم وقت أقل وأقل، وتحولت لشخص مُدمِن للعمل
لكن كُل حاجة بدأت تتحوِّل للأسوأ لمَّا غبت عن حفل عيد ميلادها العاشِر عشان كُنت مسافر في رحلة عمل، بصراحة.. مكانتش مُهمة ومكانوش محتاجيني في الرحلة دي أساسًا، بنتي كانت بتعيَّط بحُزن، وزوجتي كانت حاسَّة بغضب عارِم، يومها.. حصلت أسوأ مشكلة في حياتنا، وللحظات فكرت.. أهو، هو دا اللي هيكون سبب في انتهاء الزواج دا، لكن بعدها قرَّرت أهدي الأمور، وعدتهم إني هحاول أرجع قبل عيد الميلاد وهكون موجود معاهم
لسَّه فاكِر كُل تفاصيل الليلة دي، محفورة في ذاكرتي، كُل ثانية منها، كانت هنا.. لابسة فُستانها البمبي، واقفة في الركن المُظلم من الأوضة، حاولت أحرَّك صوابع رجلي، لكن مقدرتش، الليلة دي كانت مُختلفة، ودا عشان لأول مرة في حياتي.. هي إتحركِت!
كُنت نايم على السرير زي المشلول، وهي كانت بتتحرَّك ببطء لحَد ما وصلت للسرير، بدأت تطلع على السرير وتزحَف عليَّا ببطء، بدون أي صوت، حاولت أتحرَّك.. حاولت أصرَّخ.. بس كُنت زي المشلول، حسيت بجسمها بارد وهي بتقعد على صدري، عينيها كانت سودا تمامًا، كُنت حاسِس إنها بتخترِق روحي وهي بتبُصلي، فتحت فمها وكأنها هتصرُخ، بس بدون صوت، ومن فمها بدأت أمواج من الدم تنزل عليَّا، تغرَّق جسمي كُله، المرة دي كانت عنيفة، بس في النهاية قدرت أتغلَّب على خوفي وأتحرَّك، ولمَّا فُقت.. كُل حاجة اختفت، حتى الدم اللي كان مغرَّق هدومي مكانش له أي أثر
يومها عيطت، لأول مرة في حياتي من يوم وفاة أمي لقيت نفسي بعيَّط، عيطت زي الأطفال، كُنت محتاج مُساعدة، محتاج حد يساندني، كُنت محتاج أروح لطبيب نفسي، محتاج أتحجز في مصحة نفسية، محتاج أعمل أي حاجة تنقذ أسرتي وتنقذ زواجي
بس أنا.. أنا عمري ما حظيت بفُرصة زي دي
التليفون اللي استقبلته الصُبح، دمَّر كُل حياتي، هقولكُم ليه.. أثناء ما أنا كُنت بمُر بالجاثوم، شخص مُدمِن اقتحَم بيتي عشان يسرقه، ولمَّا فوجئ بوجود بنتي وزوجتي، ضرب زوجتي بالنار ودبح بنتي
للأسف.. حتى الانتقام حرموني منه، قبضوا عليه بعد الحادثة بساعات، اعترف فورًا، وسابني مع الندم والألم لوحدنا
إحساسي بالذنب بيدمرني، لو كُنت قعدت معاهم الليلة دي، لو كُنت لغيت رحلة العمل السخيفة دي، كان مُمكِن أقدر أحميهم، بنتي يومها إتحركت عشان كانت بتستنجِد بيَّا، بس أنا.. أنا خذلتها، سمحت لضعفي وخوفي يضيَّعوا كُل حاجة في حياتي، دلوقتي كوابيسي بقت أسوأ
أنا آسف يا حبيبتي.. أنا آسف أوي
ونصيحة لكُل واحد منكُم.. حاول تفهم الرسالة اللي الجاثوم بتاعك بيوصلهالك.. يمكِن تلحق الأمور قبل فوات الآوان
.
.
.النهاردة هختلف مع أغلبكُم وهتفق مع الدكتور
هو فعلًا عقله عمل اسقاط وحفر وش بنته في كل ذكرياته وكوابيسه القديمة، مش منطقي ولا معقول إنه يشوف وش بنته من قبل ما تتولد وطول السنين دي
فلأ.. أنا مصدقه في كُل حاجة ما عدا موضوع وش بنته اللي بيشوفه من زمان دا.
.