173

1.1K 80 3
                                    

لمّا إستلمت الشُغل لأول مرة في الشركة دي ، المُشرف بتاعي قرر يقدمني لباقي الموظفين ، كان إسمه روني و كان مُحترف في شغله لأنه قدم ليّا كُل فرد لوحده و شرحلي مُسماه الوظيفي و مهام وظيفته و مدي تعاملي معاه ، الموظفين إستقبلوني بإبتسامات ترحيب ، لكن لمّا روني جه عند بيتي ملامح وشه بان عليها الإشمئزاز المخلوط بالشفقة و هو بيعرفني بيها بسُرعة و بيقولي إنها المسؤولة عن إرسال و إستقبال الفاكسات ، تعريفه بيها كان سريع و مُختصر و بدون روح تقريبًا ، بيتي بالمُقابل مكانتش مُهتمة بينا و كانت مشغولة في تجهيز أوراق و فاكسات !
مشينا وسط الموظفين اللي رجعوا تاني يركزوا في شُغلهم لحَد ما وصلنا مكتب روني عشان نخلص آخر إجراءات إستلامي للوظيفة ، سألته بفضول : " بيتي بقي هيّ أهدي حَد في الشركة ؟ "
روني بصلي بقلق و قالي بحزم : " سيبها في حالها مع أجهزة الفاكس بتاعتها ، هيّ دايمًا في حالها و مش بتحتك بحَد مننا ، بس الحقيقة هي بتشتغل كويس و مش بتدي فرصة لحَد يمسك عليها غلطة "
روني كان باين عليه الضيق جدًا ، لكن أنا تجاهلت الموضوع ، أنا لسّه موظف جديد و مش عاوز أتسبب لنفسي في مشكلة من أول يوم ، خلَصنا الأوراق بتاعتنا و خرجت مع روني متوجهين للطابق الرئيسي ، وراني المكان اللي هقعد فيه و الكومبيوتر اللي هشتغل عليه ، وراني إزاي هبدأ شغلي و طلب مني أخلّص شوية حاجات ، لمّا خلصت كان لازم أسلِّم الشغل لبيتي
خلصت و أخدت الأوراق و رحت لبيتي ، وقفت جنبها و هيّ كعادتها مشغولة في أوراقها ، قلتلها بهدوء : " بيتي .. إزيك ؟ ، أنا جيرالد الموظف الجديد ، عاوز أديكي الورق دا عشان تبعتيه بالفاكس ، أسيبهم لك هنا ؟ "
سابت شغلها و بصتلي ببطء ، عينيها فيها جنون ، هدومها مش نضيفة ، قالتلي بهدوء : " حطهم هنا من فضلك "
و رجعت كمِّلت شُغلها تاني كأني مش موجود ، حسيت بإحراج و أنا بقولها : " تمام .. مفيش مُشكلة .. شُكرًا "
.
بالرغم من كدا بيتي شكلها مش غريبة الأطوار ، مكتبها في الركن مُحاصر بالصناديق المليانة ورق ، مكتبها زحمة و مش مُرتَب كأنه مش تبع باقي الشركة ، لكن دا المكان اللي هيّ إختارته عشان تبعد عن الناس و تفضل لوحدها ، و علي الرغم من تحذير روني ليّا إني لازم أسيبها في حالها إلا إني كُنت مُشفِق عليها ، و خلال الأسبوعين اللي بعد كدا كُنت ببقي حريص أفتح معاها كلام و أنا بديها الأوراق بتاعتي ، في البداية كانت بتتجاهلتي ، بعد كدا بقت بترُد بإقتضاب ، لكن بعد كدا بقت لطيفة معايا ، في البريك كُنا بتغدي سوا و نتكلم سوا ، أغلب كلامنا كان عن عائلتي ، زوجتي و ولادي الاتنين ، كانت بتسمعني و هيّ مُبتسمة لمّا بتكلم عنهم
بيتي بدأت تقرَّب مني أثناء الشُغل و تتكلم معايا ، أحيانًا كانت بتنده عليّا عشان أجيبلها كوب قهوة بما إن ماكينة القهوة قُريبة مني ، و كانت بتراجع ورايا شُغلي قبل ما تبعته بالفاكس عشان تتأكد إن كُل حاجة تمام ، زمايلنا في الشُغل بدأوا يلمَّحوا لوجود علاقة عاطفية و يقولوا عليها مراتي التانية لكن محدش كان بيقول كدا أدامها ، كنت بضحك و بنسي الموضوع
.
في يوم إضطريت أتأخر في الشُغل أنا و بيتي لظروف خارجة عن إرادتنا ، زمايلنا كُلهم مشوا و سابونا ، خلصت شغلي و خدت الورق و مشيت أسلمه لبيتي عشان تبعته ، لمّا دخلت مكتبها لقيتها قاعدة بملابسها الداخلية وسط الصناديق ، إبتسمت لمّا شافتني و قالتلي : " إنت بتقول علي طول إني مراتك التانية ، مش كدا ؟ "
قبل ما أستوعب اللي بيحصل كانت وقفت و قربت مني و حضنتني ، الورق اللي في إيدي وقع علي الأرض ، بدأت تقبلني بالعافية ، مكُنتش متجاوب معاها بس بصراحة برضه مكُنتش بعارضها و بحاول أوقفها عند حدها !
بعد شوية قدرت أتمالك أعصابي ، حاولت أبعد عنها و أنا بقولها : " بيتي .. أنا .. أنا راجل متجوز و .. و كده ميصحش "
زقيتها بعيد عني و جريت بعيد ، خرجت من الشركة و بدون تفكير جريت علي عربيتي ، قعدت في عربيتي مصدوم من اللي حصل ، الجو كان برد و الدنيا مليانة ثلوج
بيتي خرجت من باب الشركة بملابسها الداخلية ، كشت وسط الثلج ببطء ، بدأت تخبط علي زجاج العربية عشان أفتح الباب و أسمح لها بالدخول ، كانت بتعيّط و جسمها بيترعش ، سمحت لها بالدخول عشان متكوتش من البرد ، دخلت و جسمها بيرتجف من البرد ، قلعت الجاكت بتاعي و اديتهولها تتدفي بيه ، حاولت تقرب مني و تقبلني تاني لكن بعدتها عني بهدوء
قلتلها : " بيتي .. صحيح إنتي خليتيني أقضي أيام كويسة أوي هنا لكن في الأول و في الآخر إحنا مُجرَد أصدقاء .. أنا آسف جدًا بس إحنا مش هينفع نكون أكتر من أصدقاء .. خلينا ننسي اللي حَصَل دا تمامًا و نفضل أصحاب زي ما إحنا .. أنا مش هحكي لحَد و  اللي حَصَل دا هيفضَل سر بيننا "
عينيها كان فيها غضب عارم و جنون مُخيف ، لكن رغم كدا ردت و قالتلي : " طبعًا يا جيرالد ، أنا آسفة إني إتصرفت غلط "
فتحت باب العربية و مشت بخجل و خزي لحَد باب الشركة و بدون ولا كلمة بصتلي بصة أخيرة قبل ما تدخل من الباب
طلعت وراها عشان أتطمن عليها ، كانت بتلبس هدومها و أنا بلِم الورق اللي وقع مني ، طلبت منها تعبت الورق بالفاكس و وقفت أتفرج علي الثلوج المُتساقطة من شباك المكتب ، بصتلي بهدوء قبل ما تقول : " إتفضل إنت روّح و أنا هبعت الفاكسات و أقفل الشركة و أروّح أنا كمان "
إبتسمت في وشها و أنا بشكرها و نزلت أخدت عربيتي و رجعت البيت
.
تاني يوم كان أجازة بسبب سوء الطقس ، قضيت اليوم مع أولادي ، لعبنا في التلج و قضينا الوقت سوا ، نسيت تمامًا كُل حاجة عن الموضوع بتاع بيتي ، تاني يوم قررت أروح الشُغل بدري ، طلعت الشركة أول واحد ، فتحت الباب و دخلت
اللي شُفته خلاني وقفت أصرخ زي المجنون و أنا في حالة صدمة مش طبيعية ، روني لمّا هداني بعد كده بدأت أستوعب اللي شُفته
بعد ما سبتها و مشيت بيتي قلعت هدومها تاني و قعدت بملابسها الداخلية ، دخلت مكتبي و بفتاحة الخطابات كتبت علي جسمها كلمة ( مراتك التانية ) ، و بعدين قطعت معصمها و إنتحرت في مكتبي ، يبدو إن جرح معصمها كان عميق بما فيه الكفاية لإنه يموتها لكن مش علي الفور ، فضلت علي قيد الحياة شوية ، مشت في مكتبي ، لمست كُل حاجة بإيدها اللي بتنزف ، كتبت بدمها علي الحيطة اللي أدام مكتبي : ( لازم متنساش اللي حصل أبدًا )
بس دي مكانتش أغرب حاجة !!
بيتي أخدت صورة عيلتي من علي المكتب و حطت علامة غلط علي وجه زوجتي و كتبت تحتها بالدم : ( قُريب أوي )
.
.
.
الحالة النفسية لأي بني آدم بتفرق جدًا في تقبله لفعل اللي أدامه و طريقة رد فعله علي الفعل دا !
بيتي هنا مثلًا من الواضح إنها مش مستقرة نفسيًا من البداية لأن روني قاله سيبها في حالها و هوّ قال بنفسه إن فيه لمحة جنون في عينيها
لكن عادي هوّ تجاهل كُل دا و قرّب منها و إداها إشارات مغلوطة لحَد ما هي حسّت بشرارة شيء بينهم و تصرفت بناءً علي الإشارات دي ، و الصدمة هنا كانت في رد فعله ، إشارته كمان لزواجه تعبتها أكتر و بناءً عليه إنتحرت من الإحساس بالخزي و العار إنه رفضها لكن لما هوّ قالها إنه هينسي الموقف دا حبت تسيبله ذكري لا تُنسي عشان كده قالتله و كتبتبه لازم متنساش اللي حصل
كمان كرهها لزوجته بان في علامة الغلط اللي علي وشها أعتقادي الشخصي إن كلمة قريبًا دي تعني إنتقام لكنها ماتت قبل ما تحقق إنتقامها

قصص رعبحيث تعيش القصص. اكتشف الآن