153

1.3K 116 5
                                    

لمّا كُنت صُغيّرة في السن، لسّه متخرجة من كُلية التمريض، كُنت شايفة العالم بنظرة مُختلفة، نظرة كلها أمل وطموح، كُنت شايفة إن كُل شخص جواه جانب طيب، وكُل شخص قادر يسامح ويغفر مهما حصله، كُنت ساذجة شوية

وظيفتي الأولى كانت في مُستشفى ريفي صغيّر، لكنه أقرب لاستراحة الموت، اللي هنا هُمّا المرضى الميؤوس من حالتهم، اللي جربوا معاهم كُل حاجة وفشلوا، بييجوا هنا عشان يرتاحوا لحَد ما يموتوا، وإحنا هنا بنعمل كُل اللي نقدر عليه عشان نخلي أيامهم الأخيرة كلها سعادة وراحة

ولأن أنا المُستجدة اللي هنا، بيخلوني أمسِك الورديات بتاعة بالليل، وفي الحقيقية الورديات دي هادية وبتعدي بسلام، لو المريض مش عارف ينام، بقعد أتكلّم معاه شوية، أو بقراله شوية، لو كُل حاجة تمام وكُلهم نايمين بنضّف المكان، مش بشوف حد هنا غير مُمرضة زميلتي اسمها ماري، وهي أقدم مني شوية، الدكاترة؟ لأ الدكاترة في دور تاني ومش بنشوفهم غير لو في حالة طوارئ بس

وممنوع الزيارة عندنا

عشان كدا لمّا الأسانسير وقف في الدور بتاعنا في ليلة من الليالي، توقعت إني هشوف ماري، لكن اللي حصل كان مُختلف، الأسانسير كان فاضي، الباب فضل مفتوح ثواني وبعدين بدأ يتقفل ببطء، ودا عادةً بيحصل لمّا حد بيغلط في الضغط على الزرار وبينزل في دور قبل بتاعنا

كُنت بعمل بعض الأعمال اليدوية فتجاهلت الموضوع وكملت كتابة في الدفتر

تك..

تك..

تك..

كُنت سامعة صوت خطوات بطيئة في الممر، الصوت كان واضح

بصيت ناحية الممر، وشُفتها.. كانت بنت صُغيرة شعرها كيرلي أسود قصير ولابسة فستان أزرق، كانت بتقرّب من غرف المرضي بخطوات بطيئة

ناديت عليها بلُطف: " إزيك يا حبيبتي، إنتي المفروض متكونيش هنا "

لكنها تجاهلتني وهي بتكمّل رحلتها ناحية غرف المرضى، كانت بتقرّب من واحد من الأبواب المفتوحة، باب غرفة السيدة ماتيلدا وهي سيدة عجوز بتقضي آخر أيامها هنا ومصابة بسرطان الثدي

حاولت معاها تاني: " حبيبتي! "

تجاهلتني وهي على وشك توصل لباب غرفة السيدة ماتيلدا

خرجت من ورا مكتبي بجري، شلت عينيّا من عليها ثواني، لكن لمّا بصيت عليها تاني، كان الممر فاضي، البنت اختفت تمامًا

كُنت قلقانة تكون دخلت أوضة من الأوض، اتصلت بالأمن عشان أسأله لو فيه بنت تايهة ولا حاجة

كان بيتاوب وهو بيقول: " لا ... الليلة دي مُملة وهادية أوي "

قُلتله إن فيه بنت صغيرة لابسة فستان أزرق بتتمشى في المُستشفى، طب هل فيه بنت مفقودة من جناح الأطفال؟ مُمكِن تكون زهقت وقامت تتمشى؟ لكنه قالي إن لأ، كُل حاجة تمام، شكرته وقُمت أدوّر في الغُرف تاني، لكن البنت كانت اختفت

قصص رعبحيث تعيش القصص. اكتشف الآن