194

1K 104 2
                                    

اسمي سميث، أنا دكتور نفسي للأطفال من أكتر من حوالي عشر سنوات تقريبًا، لو سألتوني عن رأيي في نفسي، هقولكُم إني من أشطر الأطباء النفسيين الموجودين في الولايات المُتحِدة الأمريكية، إتعامِلت مع أطفال في قضايا مُختلِفة وبخلفيات وقصص مُختلِفة، ساعدتهم يعدوا أزمات كبيرة زي الاعتداء الجسدي، الاعتداء الجنسي، الإدمان، والعُنف الأسري

طول عُمري بحلَم إني أساعِد الأطفال، أنا مؤمِن تمامًا إن مفيش حد إتولَد وجواه شر، البني آدم بيكتسِب الشر من خلال التجارُب اللي بيمُر بيها

لحَد ما قابلت كونور.. أغرب طفل صُغيَّر قابلته في حياتي..

مكانش طفل عادي زي بقية الأطفال اللي قابلتهم طول مسيرتي المهنيَّة، شكله ولد عادي، شعره قُصيَّر وغامِق، بشرته شاحِبة، لابس تيشيرت فريقه المُفضَّل، شكله زي أي طفل من سنه، باستثناء عينيه.. عينيه كانت أكتر شيء مش طبيعي فيه، عينيه كان لونها أزرق لامِع، كان ذكي، ذكي وعنده معلومات هتستغرَب لو عرفت إن فيه طفل عنده عشر سنوات عارفها، في الوقت دا.. كان المفروض أتكلِّم معاه وأخليه يتغلَّب على الصدمة اللي مر بيها

كونور كان الناجي الوحيد من المذبحة الوحشية اللي راح ضحيتها كُل أعضاء أسرته، على ما يبدو.. جارهم اللي ساكِن في البيت اللي جنبهم كسَّر زجاج غرفة المعيشة الخاصَّة بيهم بحجر كبير، واقتحَم البيت من خلالها، ضرب والدة ووالد كونور بالنار، وقتل أخته الصُغيَّرة

كونور كان الناجي الوحيد لأنه كان بيلعَب في أوضته وقت الحادِث، وأول ما حس باللي بيحصَل، جرى واختبئ جوا دولابه، المحاكمة كانت شغَّالة في الوقت اللي كُنَّا بنتكلِّم فيه، كونور وقتها كان عايش في بيت من بيوت الرعاية، والمحكمة كانت شايفة إن من الأفضل إنه يشوفني عشان أساعده في التغلُّب على الأزمة النفسية اللي بيمُر بيها

كونور كان بيتكلِّم أكتر من أي طفل تاني من سنه خلال الجلسة الأولى اللي قضيناها سوا، أغلَب المرضى اللي قابلتهم بيقضوا الجلسة الأولى في صمت وهُمَّا بيلعبوا بلعبة من اللعب اللي أنا حاططها في كُل أنحاء مكتبي، ومش بيتكلِّموا معايا غير بعد جلستين أو أكتر، لمَّا يبدأوا يحسوا بالارتياح ناحيتي، لكن كونور كان مُختلِف.. كان فضولي وعنده أسئلة كتير، سألني عن مكتبتي الضخمة اللي مليانة كُتب، سألني عن الجامعة اللي درست فيها، وسألني ليه اخترت أدرس في مجال الطب النفسي تحديدًا، كان مُتعطِّش للمعرفة جدًا، وفضولي جدًا جدًا

لمَّا سألته عن رأيه في المُحاكمة، حسيت إنه سكن فجأة، بص في الأرض، وبدأ يتفادى أي اتصال بالعينين، بدأ يقول جُمل مش كاملة بصوت مُرتبِك، سكت فجأة.. وبعدين سألني: " هو جسم الإنسان بياخُد أد إيه لحَد ما يتحلِّل؟ "

كان سؤال مُفاجئ جدًا، سكتت شوية وحاولت أهدي نفسي شوية قبل ما أقوله: " هو دا شعورك ناحية أسرتك دلوقتي؟ "

هز راسه وهو بيقول: " لا.. أنا بس عايز أعرف ريحتهم هتكون عاملة إزاي "

.

كُنت بتابِع سير المُحاكمة أثناء جلساتنا سوا، جلستنا الخامسة كانت أهم جلسة، لأن دا كان نفس اليوم اللي كونور شَهَد فيه في المحكمة، كان عندي اعتقاد إنه هيكون محتاج اهتمام أكتر ورعاية نفسية وعاطفية بعد الشهادة، بس لمَّا وَصَل، كان شكله عادي جدًا، قضى أغلَب الجلسة بيلعَب بواحدة من اللعب القديمة اللي كانت عندي في المكتب، حاولت أسأله عن شعوره بعد زيارته للمحكمة، لكنه كان بيحاول يكسَّر اللعبة بدون ما يرُد عليَّا، شكله كان مُهتَم بالموضوع دا جدًا، وفعلًا بعد ما كَسَر جُزء منها، تأمَّل الكسر قبل ما يقول وهو متفاجئ: " الموضوع طلع سهل أوي "

دي كانت جلستنا الأخيرة، لكن كونور زارني بعدها في فصل الربيع، كان باين عليه مرتاح ومُستمتِع، من الواضح إنه قدر يتغلَّب على المأساة اللي مر بيها، المُحاكمة انتهت، وجاره إتحكَم عليه بـ 75 سنة سجن، كونور كان مبسوط جدًا، قعد على الكرسي وبدأ يضحك.. بس مكانتش ضحكات طفولية عادية، كانت ضحكات شريرة مُختلَّة، ضحكات مُخيفة زي اللي بتسمعها من المرضى النفسيين، ضحكة بتقول إن الشخص دا مُختَل عقليًا بشكل مش طبيعي، وساعتها.. قرَّر يقولي الحقيقة: " دا كان أنا.. أنا اللي قتلتهُم "

بس لأ.. دا مكانش أكتر حاجة مُرعبة في الموضوع، دي كانت بس بداية الجلسة، المُرعب أكتر كانت الطريقة اللي قال بيها الجُملة، قالها ببرود وبعدم اهتمام، مكانش حاسِس بالذنب ولا بتأنيب الضمير، مكانش ندمان، مكان حاسِس بحاجة، بالعكس.. كان فخور بنفسه جدًا، أخدت كام ثانية عشان أقدر أستوعِب اللي إتقال، سألته بصوت بيترعِش عمل كدا إزاي؟

قالي إنه كان عارف جاره بيحتفِظ بالمُسدَّس بتاعه فين، لأنه كان بيلعَب مرة في الحديقة وشافه بيحُطُه في الدرج بتاعه في الجراج، كان عارف كمان إن جاره بيحِب يسيب شباك الحديقة الخلفية مفتوح عشان الشمس تدخُل البيت، كونور تسلَّل للبيت وأخذ المُسدَّس، لبس جوانتي عشان البصمات، كسر شباك بيته ودخل قتل أسرته كُلها، وخرج رجع تاني لبيت جاره، ساب المُسدَّس مكانه، ورجع البيت، اختبئ في الدولاب، واتصَل بالنجدة

سألته عن المحكمة، إزاي قدر يكذب من غير ما يتكشَف أثناء ما كان بيدلي بشهادته، وكأنه ضغط على زرار خفي، عينيه إتملت دموع وبان إنه مكسور، وفجأة مرة تانية ضحك وهو بيوريني إنه مُمثِل شاطر جدًا

طيب.. أنا دلوقتي في مُشكلة، مُمكِن تنصحوني أعمِل إيه؟

أروح أبلغ الشُرطة؟ محدش هيصدقني! دا طفل عنده عشر سنوات وأنا معنديش دليل واحد على كلامي؟

أتصرَّف إزاي؟

.

.

.
إتكلمنا عن الأطفال القتلة في سلسلة #أطفال_قتلة (حمادة هلال فخور بيَّا أوي)، ودلوقتي آدي طفل كمان عنده عشر سنين قتل أسرته كُلها عشان عنده فضول يعرف التحلُّل بياخد وقت أد إيه؟ والريحة هتكون عاملة إزاي؟
ورتِّب كُل حاجة عشان جاره يلبِس الموضوع، الأطفال مش بالطيبة والبراءة اللي انتم فاكرينها، خدوا بالكم من المعلومات اللي بتدخُل عقول ولادكُم من التليفزيون والأفلام واليوتيوب، أغلبنا بيسيب الموبايلات في إيد ولاده طول النهار عشان يخلص من صُداعهم وزنهم، بس للأسف.. حاجات كتير غلط بتدخُل راسهم وهُمّا في السن دا

.
.

.

قصص رعبحيث تعيش القصص. اكتشف الآن