أنا مش مجنون، أنا مُتأكِّد إني مش مجنون، أنا عارف دا كويس أوي، هي دي الحقيقة، أنا مش بهلوِس، ومش واقع تحت تأثير أي عقاقير، مفيش ورم ضاغِط على مُخي، معنديش أي تاريخ مع أي نوع من أنواع الأمراض العقلية أو النفسية، فاللي حَصَل دا أنا مُتأكِّد منه، أنا مُتأكِّد إنه حَصَل، أنا مُتأكِّد إنه حقيقي، خليكُم فاكرين دا..
مش عارف إيه بالظبط اللي خلاني أصحى من نومي فجأة، يمكن تكون ريحة الدم اللي بدأت تنتشِر في الأوضة، أو يمكن السائل الأحمر الدافي اللي كان بيملى السرير، بس أنا فاكر إني صرخت بخوف لمَّا أدركت إيه اللي بيحصَل، زوجتي الجميلة – دارلا – كانت بتنزف، وشها شاحِب، عينيها مقلوبة، ومش بتتحرَّك
قالت بضعف: " إيه اللي بيحصَل؟ "
صرخت بخوف: " إنتي بتنزفي، يا الله.. يا الله.. يا الله "
كُنت مرعوب، وكُنت عارِف إنها في حالة خطيرة، نزفت كتير وفقدت كمية كبيرة من الدماء، كانت شاحبة ومش مركِّزَة، كُل اللي كُنت بفكَّر فيه هو السيناريوهات الأسوأ، إنها هتموت، أو هتجهض، والاختيارين مرفوضين تمامًا، عينيها كانت زايغة، مكانتش قادرة تفضل فايقة، وكانت على وشك تفقد الوعي، في النهاية ركزت وأدركت إني لازم أتصرَّف، شلتها بسُرعة ونقلتها للعربية
الطريق لحَد المُستشفى كان طويل وصعب، وقفنا في أكتر من إشارة مرورية، كسرت مُعظمهم على أي حال، كُنت مركِّز معاها أكتر ما مركِّز في الطريق أو في السواقة، كُنت عايز أوصَل المُستشفى قبل ما يحصَل لها حاجة، مش قادر أتخيَّل حياتي من غيرها، دا كُل اللي كُنت قادِر أفكَّر فيه، لازم أوصل المُستشفى، لازم أوصل المُستشفى قبل فوات الأوان، يا الله.. مش هسمح لها تموت
مش فاكِر ركنت العربية فين، أنا فاكِر إني وقفت بيها أدام باب المُستشفى، سبت الأبواب مفتوحة وأنا شايل دارلا وبجري بيها زي المجنون وبصرُخ عشان أي حد ييجي يساعدني، أي حد يساعدها، مش فاكِر كتير من اللي حَصَل بعد كدا بصراحة، بس أنا فاكِر إن فيه حد قرَّب مني وخدها مني، حطها على نقالة مُتحرِّكَة، جرى بيها بسُرعة، وسابني واقف هنا مكاني، هدومي كُلها غرقانة دم، ودماغي مليانة أسئلة
كُنت بعيَّط وأنا بقول: " هي حامِل في الشهر الثامِن، أرجوكم.. أنقذوا حياتها، أرجوكم.. أرجوكم "
واحدة من المُمرضات حاولت تهديني وهي بتقول: " من فضلك، حاول تهدا يا فندم، هنعمل كُل حاجة في وسعنا عشان نقدر ننقذها، بس أرجوك.. لازم تهدا، حاول تساعدنا "
مكُنتش قادر أهدا، دا مكانش مُمكِن أبدًا، كان شبه مُستحيل، إزاي هتقدر تهدا وأكتر حد بتحبه على وشك الموت؟ وإنت كمان مش قادر تعمل حاجة عشان تحميه وتنقذه! كُنت قلقان، مضغوط، خايف، مرعوب، زعلان، وحزين، هو دا كُل اللي كُنت حاسِس بيه، وقفت مكاني وأنا بترعش من الخوف، بعيَّط من شدة القلق، بحاول أرد على أسئلتهم عشان يحاولوا ينقذوها