البتول تتنقل بين النساء بصينية الماء تحاول تبعث طمأنينة مزيفة بقدر الإمكان لكن فشلت وهي تسمع بكاء البنات وام عتيق في طرف الصالة الواسعة تتظاهر انها متماسكة بينما جوفها تفتت وإحترق وهي متيقنة ان ولدها الآن يحترق وبالفعل عتيق جامد كل طرف فيه أعلن إستسلامه عينه شاخصه بمكان واحد وتفكيره عالق في زاوية ضيقة زاوية ذكرى اليوم بعد ما استنجدت فيه وغفى عنها كيف سولت له قسوته يتجاهل نداء روحها واستغاثة خوفها كيف غفل عنها وعن جسدها الملتف بلحاف البرد وغفى ؟ كانت تستجديه تسع سنوات عجاف لم يشتعل ضميره بالندم لم يشعر بحرقة مثل هذا اليوم !
جابر حضن كتفه وده يواسيه لكن فشل سابقاً بمواساة نفسه كيف فاقد الشي يقدر يعطيه ؟ لكن تحامل على الفقد وتأكد ان أكثر العطاء كان من فاقد الشيء لأنه مدته ثمينة ولأن الشيء اللي فقده اثمن صار العطاء يفرض نفسه ، حضنه بكل قوته لم يبالي بالزحام ولا بنظراتهم همس له : بترجع ياخوي صدقني قريبة
عتيق وهو ينتفض والبرد تمكن من جسده اللي تلبسته حالة ضعف مريرة هز رأسه وهو بحضن أخوه : متأكد انها بوداعة الله متأكد انها بخير بس لو ترجع
جابر نطق وهو يربت على ظهره : ساري وأديب والعيال بيرجعون ومعهم الخبر الأكيد انت بس تطمن واستريح خلنا نرجع البيت على الأقل أمك تشوفك وتتطمن عليك
•ببيت يوسف بن ضيف الله ..
همست صبا : انقلب الوضع مأساة ودراما لا احنا اللي انبسطنا ولا رقصنا
نغم قرصت فخذها ومن بين اسنانها قالت : وانتي كل همك بالدنيا كيف تنبسيطن حزن الناس مايعني لك شيء ؟
صبا : هو أنا ناقصة أشيل حزن الناس انا علي من نفسي ويالله يالله الحق
اسكتي خلاص سكوتك يعتبر مشاركة انكتمي بالله
البتول واقفة ولأول مره تشعر انها مكتوفة الأيادي دائماً تنجح بمواساة الغير وبإحتضان مأساتهم لكن اليوم صار العكس تقدمت من ام قايد جلست بجنب ملكة واحتضنت يدها همست لها : لا تزعلين نفسك اللي صار اليوم خيرة وقايد مستحيل يترك اخوانه بظرف مثل هذا انتي عارفة
ملكة وموقف اليوم كان منقذ بالنسبة لها بالرغم من خوفها على هتاف وحزنها من أجلها : مازعلت صدقيني عمتي تعبت أكيد لازم تدخل الغرفة وترتاح اقنعيها تكفين
التفتت لأم قايد : خالة راوية يالله باخذك للغرفة تصلين الوتر وترتاحين قومي عشاني ..ساعدتها بالوقوف وصارت تجاري خطواتها فزت هتون وامسكت بيدها الثانية نطقت هتون : انا بساعدها تتوضى وانتي اجلسي هنا يمكن يحتاجون البنات شيء
رجعت البتول للصالة وصارت بالقرب من رقية المنهارة اكتفت بالجلوس بجانبها كمواساة صامتة اما صبا الوضع لايعنيها خرجت ولحقت بها نغم.
قايد العريس قضى ليلة زفافه بأطراف القرية بعد ماخف نزول المطر والبرق صار نوره خفيف قرب ينتهي شحن جواله وابعد عن سيارته ، ساري بالطرف الثاني بصوت عالي ناداه :ماعينت شيء ؟ ( شفت )
قايد : لاياخوك المكان خالي ازهم ( نادي ) العيال يروحون جهة الوادي
ساري بنفس حدة الصوت : الوادي خطر عليهم السيل جاي
قايد : ياخوك المرة ماهي بوعيها اخاف انها بمكان خطر والسيل مايرحم
ساري : لا إله إلا الله تكفى عتيق لايوصله العلم بجمع العيال وبروح جهة السيل وانت روح للقرية الثانية اخاف طلعت من هنا ..
قايد يجاري نبرته العالية : اعتمد اعتمد
تفرقت خطوات الشباب وقايد صار بمفرده والبقية خرجو ناحية السيل قبل يقترب ويجرف معه كل شيء ..عتيق بعد ماتطمن على أمه ركض مثل المجنون بعد ما استدرك الخطر القادم وشعر به بصوت عالي وهو يفتح باب سيارته :السيل جاي اتصل بالعيال يسبقوني هناك
وبسرعة جنونية كان يقود سيارته الكبيرة الخط سيء جداً بسبب الأرض والطين وبسبب طبيعة المكان لكن لم يبالي وصل لمكان السيل كان خالي من أثرها جلس على الأرض بيأس كبير وأمله السابق تلاشى وحل محله حزن غريب جلس على الصخرة الكبيرة بعد مالف غترته على وجهه عجز حتى يناديها بصوت عالي وصوته الجهوري خانه بأوج حاجته وصل ساري وهو يركض بعد ماترك سيارته بالقرب من المكان : راحت وكأنها حلم ماله نهاية قاعدين ندور ونرجع لنفس الدايرة ياخوي هتاف ضاعت !
ساري جلس على صخرة ثانية ومتلثم بغترته ويأس اخوه تلبسه : وش بيدينا وماسويناه ؟ الشباب توزعو على القرى الثانية متأكد ما ابعدت ومتأكد انها مو بالقرية
وينها طيب ؟ انت تدل مكان ماندله ؟
صفق يدينه بضياع وقال : راحت مثل فص ملح وذاب من أول الليل وحنا ندور بنفس المكان ونرجع من الطريق نفسه ..
أنت تقرأ
ساري الجبل واخوان ساري
General Fiction.حينما تضيق بك الحياة ، تختنق بآلامك وحيداً ، تتنفس من خرم إبرة ، تولد أحاسيس خيالية ، وأخرى من رحم الواقع ، "هنا يكمن نتاج المعاناة " وهنا البداية تنطوي الأيام بحلوها ومرها ،نوقد مصابيح للفرح ونتخطى العثرات نغلق ابواب الألم وتفتح ابواب اخرى مؤلمة...