دخلت المطبخ جهزت الضيافة وهو صار خلفها بالضبط هتف : لا تكثرين هيل في القهوة خالي يتضايق منه والشاهي حطي ثلاجة ثانية بسكر في ناس تحبه حالي زيادة
هزت رأسها : قايد بخصوص
حمل الصينية وتجاهلها لتضرب بكفها سطح الدولاب همست لنفسها بقهر : ليتي بلعت لساني وقتها اف افانتهت جلسة الضيوف
دخل قايد الغرفة تأملها وهو واقف عند الباب شاردة تشد على صدرها بعبوس استبدلت ثياب المطبخ وفتنتها لم تتبدل كشفت عن عنقها الذي يعذبه من فترة رفعت خصلاتها ليتحرر ببهاء يصيبه بالهذيان مرتدية فستان قصير وناعم بدون وعي منه اقترب وهي ارتدت للخلف بروية لم يلاحظها قطعت خطواته وهي تقول بوجوم : طالعين بكرة أنا وابوي لبيت عمتي راوية
ببرود : استئذان والا بعلمك وانتهينا؟
هزت كتفيها بلا مبالاه : اللي تحب انت اختار
ياترى هل سؤالها مبطن ؟ هو غضبان لا يملك وقت لإستجواب نفسه وقلبه ولا يملك وقت للوقوف طويلاً أمامها واستجداء قلبها الخالي منه لذا اقترب بخطوات قصيرة للتسريحة انشغل بحقيبته الصغيرة حمل مفاتيحه وعطره رماها بداخلها تجاهل وقوفها وسؤالها وخرج
تنهدت بعبرة وجهه الجديد يؤذيها تفتقد نظراته التفحصية والتي يخفيها إعجابه الصامت أيضاً تبعثر أوراقه بحضورها شغفه للنوم في الصالة والتي ايقنت انها حجة للمكوث بالقرب منها مشاعر الخسارة لم تعد تخفى أيقنت انها خسرت الكثير والكثير !
.
.
قرية ساري ..
هدية ماجد صارت بحضن أمه ..
قلّبته بين راحتيها وكأنها تقلّب طفولتها الممزقة الصِبا المثقوب وحسنها المدفون بين حنايا التعب عضت على شفتيها وبنظرة نارية رمتها بقلب طفلها وبنفس النظره رمقت هذا الرمادي جمعته وجعدته وهي تتنفس ركضت للمطبخ بخطوات متعثره وعينها تخضبت بالقهر قبل الإحمرار ، مزّقته وهي تصرخ وكأنها بفعلتها هذه مزّقت طفولتها المتشربة بأنواع المآسى وألوان العذاب ، رمته عند قدم طفلها المذهول لتصرخ فيه غير مبالية بصغر سنه ولا بليونة مشاعره ، حجبت هذه الذكريات كل شيء ذكرياتها التي ترعرعت بداخلها وكبرت مع السنين تلازمها بشهيقها وبزفيرها تلازمها حتى ان توارت عن وجه الواقع حتى في الخيالات كانت تقف أمامها بوحشية مهلكة : إياني وأياك تجيب الأشياء الرخيصة هذي قدامي هذي الألوان ماتفرحني، مابغى هدية توجعني ولا ابغى لون يرجع لون الوجع اللي ربى معي وكبر تفهم تفههههم
صدى صرختها وصل جابر دخل وعينه على ماجد المتصلّب بذهوله يراقب فرحته الممزقه والساعات الطويلة التي قضاها بلا نوم ، سرقت السعادة منه حتى أحلامه ، وقفته الطويلة أمام الفستان تكررت بصورة مغايرة بواقع مؤذي ردة الفعل لم يخمن حتى لمحة منها والهدية صارت بالأرض عند أقدامه ومعناها تخبى خلف وجع حسناء اندفع جابر وكسرة ماجد تعني له الكثير رفع يده وضربها بأماكن ضربها القديمة ضربها بكل غضبه على كتفها وعلى ظهرها لم يكتفي رفعها من جديده وبسط راحته على خدها الأحمر هنا ماجد بصوته الباكي وقف بينه وبين أمه : بس بس لا تضربها وانت ماتعرف شيء لا تمد يدينك يكفيها ماضيها لا توجعها بس خلاص
تراجع بحده واعتصر قبضته فتح فمه وده يتكلم لكن ماجد قطع صوته وهو يقول : ماعدت الصغير اللي يسمع صوت الضرب ويدارونه ويقولون هوشة صغيرة وانحلت ماني غبي وآثار وجع أمي اللي راحت واللي الحين كلها هنا هنا
اشار لقلبه ودمعه شق مجراه وهذا اليافع نال من وجع امه الكثير ولازال ولازال ، سكت في الأيام الماضية لكن التهبت حنجرته من الصمت الطويل
استدار لأمه الشاحبة وهي ترمقهم بنظرات خالية من الحياة مد يدينه ضمها بكل ما يملك من مشاعر : فدا فدا ياروح ماجد الفستان فدا رجولش وفدا لروحش وحتى ماجد مع الفستان بس ابكي ابكي طالبش يمي ابكي
مطلبه صعب روحها تثاقلت كل شيء حتى الدموع حملها ثقيل على نفسها المنهكة ماكان بوسعها غير تضم جسده بيدها النحيلة همست له بصوت موجوع : سامحني ياماما
خرج جابر وهو يجر الندم جر خرج وهو خجلان من رعونته ومن انفلات يدينه وغضبه الثائر بحضور هذه الحسناء أمامه بحضورها لا يمتلك غضبه وتفلت أعصابه وتنزلق يده القوية وخدها يتلقى ثوراته بلا حراك وهذا مايثيره أكثر وأكثر ..
.
.
تمارا وهي ملتفة بروب طويل بعد ما انهت حمامها كانت منشغلة بتجفيف شعرها فجأة اقتحم ماجد غرفتها وبكفه الفستان اللي عول عليه الكثير رماه بحضن الأرض وارتمى هو بحضن تمارا صوت شهقاته واضحة وهي من قادت دفة الحديث المؤلم ، وصفت حجم احتقان الألم داخله ضمت يدينها وهي تحتويه بفزع حقيقي خيّل لها انه فقد أمه بهذه اللحظة وبحضنه ينعي فراقها بصوت وجل
أنت تقرأ
ساري الجبل واخوان ساري
General Fiction.حينما تضيق بك الحياة ، تختنق بآلامك وحيداً ، تتنفس من خرم إبرة ، تولد أحاسيس خيالية ، وأخرى من رحم الواقع ، "هنا يكمن نتاج المعاناة " وهنا البداية تنطوي الأيام بحلوها ومرها ،نوقد مصابيح للفرح ونتخطى العثرات نغلق ابواب الألم وتفتح ابواب اخرى مؤلمة...