انشد لنبرتها الحزينة هربت من نظراته وصارت عينها على الشباك الطويل : أمي بالقرية كانت تخيط فستانين البنات وعرايس القرية جلست معها وصارت تحكيني عن كل فستان وكيف موديله وصرت اتخيلها وقررت احط لمساتي الحديثة مع تصاميمها هي وارجع شي قديم تحبه أمي
ساري كان يتأمل نظرتها اللي ثابتة بمكان واحد لكن ليه صارت نظراتها تلمع واكتساها حزن وصله وحس فيه ؟
نطق ببرود : وليه تحطين لمساتك وين راحت أمك ؟
لأول مره يسألها أحد بهذه القسوة كيف تجاوبه بدون لاتبكي وتنهار ؟ بالكاد تجاوزت الغصة حولت نظرتها له ولوجهه وبهمس خافت : الله يرحمها
وبسرعة استوعب ان حرير نفسها فتاة الجبل اللي بكت بالقرب منه وعاش معها نفس اللحظة
نفضت العبرة وقالت : عاد أمي ما اكتفت بالتصاميم كل النسوان اللي صممت لهم جابت لي تفاصيل التفاصيل عنهم وذوقهم
مثلاً نوره بنت جابر تحب الرمادي بكل درجاته وامي ماقصرت عطتها لقب ام الأغبر
صالحة بنت ح بترت حروفها وهي تشاهد اللون الأحمر اللي اكتسى فيه وجهه والحزن اللي نفضته انتقل له لم تدرك انها تتحدث عن والدته أكملت وهي تقول : أم الأغبر مثل ماسمتها امي فصلت لها فستان العرس تقول كان غريب لأنها جابت قماش غالي ماعمره مر عليها مدت له جوالها بعفوية هذا الشكل القريب من التصميم شفت كيف ان فكرتي حلوة وتلامس القلب وممكن ترجع شي حلو
قاطعها وبصوت ثقيل : بس بس ماقلت اختصري !
رجعت على الكرسي صمتت وهو قدر يخفي صدمته وحزنه بنفس الوقت حمل الكوب وشرب منه
وقال : شكراً على العربون واليوم أول يوم لك معنا نقدر نقول مبروك !
ضحكت عيونها وقلبها ضحك قبل كل شي : صدق والله؟ كوب القهوة نفع ؟ بكرة اجيب لك مقهى كامل مو بس كوب حملت حقيبتها من الكرسي المقابل وحملت كوبها وهي تضحك بطريقة غريبة هو بالكاد امسك ضحكته لأنها وببساطة وبعفوية قدرت تنسيه وقع اللحظة لكن كيف يتحمل يعيد ذكريات أمه وفساتينها ؟
.
.
جبل الهزم ..
قبل أذان المغرب بدقائق حسناء بالحوش وأمامها صينية قهوة وجود تلعب بدميتها لكن بمزاج متعكر بعد ما قطعت بعبثها الصغير كم فستان لعبتها وحسناء صار الفستان بحضنها وتخيط كمه المقطوع بإنسجام
حسناء : جودي ماما هاتي نجربه
وضعت الدمية بحضنها وابتسمت بعد ما اصلحت ما افسدته الصغيرة بعبثها جود بسعادة ظهرت على وجهها صفقت يدينها بطفولة اليومين الماضية قضتها الصغيرة بملاحقة حسناء وتأمل وجهها وحسناء راضية المهم طفلتها قريبة منها
رجع ماجد من ملعب القرية بملابسه المتسخة لم يرفع عينه وأمه نفس الشيء تتعامل معه بالتجاهل
جلس جابر مقابلهم وقرب صحن التمر منه مدت له الفنجان لكن نفضه من يدها وانسكب على الفرشة العتيقة رجعته للصحن بصمت ورجعت تراقب طفلتها ليصلها صوته الساخر : وصرتي غريبة بعد ماكنتي تظنين انش خلاص ارتحتي
ناظرته بإستفهام : وش مناسبة الكلام اللي احس ان ماله مناسبة بس كذا تبغى تقوله !
شرب فنجانه ببرود مستفز مرر نظراته على ثوبها القصير فتحة الصدر اللي ظهرت من خلالها عظام عنقها كانت بارزه بشكل ملفت نحافتها الشديدة أيضاً ملفته وكأنها لم تنجب مرتين عادت لسرحانها لكن قال بإستفزاز : دباب ماجد على وصول على العشا وهو واقف بالحوش ان شاء الله
ناظرته بغضب وذهول : وأنت بأي حق تجيب له شيء وماتشاورني فيه ؟
جابر وهو مستمر بشرب قهوته : لا وحق كبير لا مايحق لش انتي تقولين ذا الهرج وتقطعينه من أهله
ضحكت بقهر : الوصل بيرجع وبدباب ! جودي متلهف للحب أكثر من الأشياء هذي اللي تظنها بتغريه وتفرح قلبه
ضحك بطريقة مستفزه : نشوف ونحكم من اللي بيفرح ومن اللي بيحزن في النهاية
فجأة قامت من مكانها اتجهت لجود اللي جلست على الطين رفعتها بحدة وهي تصرخ : كم مرة قلت المكان ذا لاتجينه أمس غسلت ثيابش ثلاث مرات واليوم نفس الشي !
جابر : اتركي الصغيرة
حملت الصغيرة الباكية وهي ترمقه بوجه أحمر وعروق عنقها برزت اقتربت وهي تنطق : انت اتركنا
حمل جود من حضنها دخلها للبيت ورجع لها ليصفعها في الجهه الأخرى والسليمة ليطبع بصمة جديدة وهي بمكانها تتأمله ببرود وبلا مشاعر حتى التألم لم تظهره نفضت الطين من يديها حملت صينية القهوة ودخلت البيت وماجد يراقب من غرفته الإهانات اللي تبتلعها والدته واحدة تلو الأخرى وهو لم يفي بوعده تركها لهم ...
أنت تقرأ
ساري الجبل واخوان ساري
General Fiction.حينما تضيق بك الحياة ، تختنق بآلامك وحيداً ، تتنفس من خرم إبرة ، تولد أحاسيس خيالية ، وأخرى من رحم الواقع ، "هنا يكمن نتاج المعاناة " وهنا البداية تنطوي الأيام بحلوها ومرها ،نوقد مصابيح للفرح ونتخطى العثرات نغلق ابواب الألم وتفتح ابواب اخرى مؤلمة...