106

220 9 0
                                    

سهم من بعد ماشاهد فتاته الجريحة تبكي من جديد وأرض الجنوب الرحبة تربعت بثقلها على ضلوع صدره ، ضاق الكون فيه هرب لزاوية تشابه صدره الضيق، هرب لها ونسي وجهته المقصودة نسي ان البتول شاهدته وتهللت نظرتها بالرغم من موقفهم الخانق ابتهجت تعابيرها بقدومه لكن لايملك طاقة حتى للهمس ترك سيارته وترك جواله المغلق مد فرشته الزرقاء على الأرض رفع رأسه وهو يشاهد أفول الشمس بعينه ماذاقت عينه السهاد ولأيام ، يصوم ويفطر على تمرات وماء ..

أما جهة غالب من بعد السحور حمل نفسه ناحية رفيق المنفى سعيد ، غاب عن باله صوت البتول وطلبها ، غاب عن باله انها تخاف من البقاء بمفردها من سكون الأصوات من صمت الجدران ورحيل الصخب من ساحة البيت ، تأنس حتى بالطيور اللي تزور شباك غرفتها وتطرقه بأصواتها الجائعة، غالب غابت عنه شخصيتها حتى وجودها بحياته نساه لحظة اجتماعه بهتاف بعد ركض سنوات وبعد غربة طويلة وبعد معارك طاحنة مع قلبه ، لحظة رؤيته لأطراف شعرها المبلل وثوبها القصير أغمض عينه بتر سيل النظرات ، اكتفى وصد ، اكتفى وفز هرب مثل المذعور ، حتى أصواتهم زادت من ذعره حتى نظراتهم وقتها كانت خانقة بالنسبة له ، ساري حملها بيدينه وفّى بوعده وسلمها لحضن عتيق بينما هو خارج الحسبة من تسع سنوات !
شد عصبته رفع ثوبه وربطه على خصره هش بعصاه وصار ينادي أغنامه متجاهل صوت الحياة ونداء البتول البعيدة ، سعيد من بعيد يراقبه مرهق من ارهاقه خايف يسقط بأي لحظة من الصباح وهو يتنقل تحت الشمس واليوم كأنه فصل جديد شديد الحرارة بالرغم من ليلة أمس الماطرة ..
قرب أذان المغرب ناداه عله يفوق من هذا الهذيان ويرحم نفسه : غالب ابو سعيد تكفى ياخوك ارحم حالك ترفق ترفق
غالب بصوت عالي : ماسمعتك وش تقول
سعيد يدرك تلاعبه اللي ظهر من نظرات عيونه غالب تغلب الرصانة كل تفاعلاته يظهر جسور وداخله الضد بكل أشكاله
اقترب غالب بعد ما أخذ الصمت من فم صديقه المتعاطف : بدخل أغير لي ثياب خابرني عريس ومرتي عايشة بين الورد لو أدخل البيت بثياب الغنم يمكن تخلعني ..
رمى عصاه وصوت ارتطامها بالأرض يعبر عن كل شيء أخفاه ، دخل واستحم وأخيراً استوعب انه جرح البتول من جديد مل وهو يحصي هفواته معها سكر أزارير ثوبه رش عطر خفيف وأخذ له ثلاث تمرات التقطها من كف سعيد المتحفز من أجله يلاحقه من اليوم لم يشاهد هذا العطف من عينه سابقاً يبدو انه فضح نفسه بنفسه مد فكه بإبتسامة صفراء تراجع سعيد من منظرها للخلف
بصوت حاد نطق غالب : وش جاك تلاحقني من اليوم مضيع شيء؟ سارق لك شيء ولا لك فلوس بمخبى ثوبي وخايف عليها قل لاتستحي !
انحرج وتلون وجهه ليرد : ايه لي اشياء عندك ويحق لي اخاف و الاحقك قبل تضيعها
رد الآخر : وش علمني لاتسكت و ينقطع حبل الأفكار أخبرك ماتجمع وانت صايم من السم اللي تطفحه
سعيد بصوت ثقيل : اللي يعنيك يعني لي والأشياء اللي مخبيها ورى صوتك اللي فجأة ضاع ونظرة الصقر اللي تهز لها ديرة وفجأة انطفى ضوها الأسرار المتراكمة ورى ضلوعك تراها هدت حيلي قبل حيلك
زفر غالب واقترب من سعيد رفيق المرارة ورفيق الشقى ورفيق الحلاوة والسعادة همس له وهو يربت على كتفه : يوم يأذن وتبل ريقك .. اليوم بس مسموح لك تتسلى وتشفط من ذا البلوة هذي اللذة بتشغلك عن ملاحق أسراري ..
مشى من أمامه للسيارة رفع صوته : رايح لمرتي يمكن أطول عند الباب وقبل تعتب رجلي البيت معلقة عتاب وداخل البيت سيول دموع ادع مع صوت الاذان لانغرق من وراها بس ..
هز سعيد رأسه وهو يضحك من تهكم غالب الواضح تورط بأنثى تحب البكائيات همس : نشب نشب الله يعينه

هتاف .
بعد ساعات طويلة وأخيراً استيقظت لمست أقدامها وتأكدت ان مرحلتها البائسة عادت
كلما تصحى من غيبوبة الوجع تتحسس آثار الركض من خلال جروح قدميها ، تركض عارية القدمين بلا توقف ، تتوقف بها مساعيها دائماً لحضن عتيق تصحى من رحلة الهذيان وهي مغمورة بصدره ، وقبل صدره كانت تركض هباء ، كانت تغفى وتصحى بمكان مظلم وتغيب عنها الصورة الحقيقية للأشياء ، لكن اليوم تركها الوجع وأدركت وضعها الحقيقي وقررت تتظاهر بالضد قررت تتظاهر انها بدون وعي ! ، بعد إنهاك مدة طويلة كانت فيها المساعي خاوية فتحت نصف عين وبسرعة أقفلتها وتأكدت ان الهروب من الواقع حل يمكن هروبها يكشف لها شعور عتيق المضمور !
الغريب اليوم غاب حضن عتيق فاقت وهو بعيد قطع دخوله استفهاماتها ، اقتحم بلهفته غرفتهم الذابلة ، اقترب من جهتها في السرير جذب كتفها وهي بطواعيه لفت رأسها صوبه ، هي تتظاهر بالتعب لكن بالحقيقة متعبة وعلامات الإعياء ظاهرة ، خابت مساعيه وانطفت اللهفة وهو يشوف الإعياء متربع على صفحة ملامحها خابت هقاويه وهو يشاهد نفس نظرتها السابقة نظرة باهتة بدون روح ،

ساري الجبل واخوان ساري حيث تعيش القصص. اكتشف الآن