مسحت بكفوفها وجه طفلها الموجوع وهمست : جودي ماما كل شيء يهون بعيوني وبقلبي أموت أنا ولا تنطفي ضحكتك ولا تغيب
صار يبتلع عبرات متراكمة ركنها بحنجرته صار يتظاهر برجولة مزيفة وهو محتاج لطفولته بحضن امه اللي قررت تعاقبه وتهجر حتى النظر لعيونه كيف يضحك وهو رهن لأمومتها ؟ كيف تنبسط روحه وينشرح صدره وأمه ودفا يديها غاب مكانها خالي موحش رأسه بالأرض وصدره يرتفع وينخفض وانفاسه صارت مو منتظمة والبكاء على أبواب قلبه ينتظر فقط نظره وينفجر لكن النظرة صارت لمسة والإنفجار تضاعف هنا انخرط الوجع وانهلت سبحته هنا الرجولة المزيفة غابت وحضر الطفل ماجد حمل نفسه وحمل دموعه كور جسده وصار كله بين ذراعيها بصوت مكتوم هلت عبرته وهي فرصتها حانت والدموع اللي تغازل عيون صغارها يصير لها نصيب منها صارت تبكي ويمكن أكثر منه صارت تهذي بكلام مو مفهوم وهو يعرف لحظتها هذه تكررت بأكثر من موقف هنا ينقلب الوضع وهنا يصير هو حاضنها ومحتويها رفع نفسه وجمع وجعها بحجره همس لها بصوت وصل جابر اللي تراكم الليلة بداخله أكثر من شعور : تعمدت افتح قلبي ويطيح بعض الدمع عشان ترتاحين من الكتمان اللي اجتمع بقلبش كان مثل الجبل على قلبي ماحد يعرف كتمانش غيري ابكي يمه ابكي عساني قبلش
انتفضت وهي بحضنه ضربت كتفه وهي تبكي :لا تقولها كم مرة قلت لك لا تقولها عساني قبلك وعسى عيني ما تبكيك روحي انت تفهم روحي اللي اتنفسها
صد جابر للجدار و جود غافية على كتفه ..
هذا الزخم ثقيل ثقيل على روحه المشروخة كيف تنازل هذا الطفل وترك رعونة صباه وعنفوانه وحماسته كيف تخلى عن الطيش واحتوى امه كيف عرف انها بحاجة لصدر تبكي عليه كيف كان هذا الصدر هو ماجد الطفل ماجد الكبير ماجد اللي يصدمه دائماً ..
•البتول لم تخلع زينتها بعد حضرت الحفلة واللي صارت من نصيب ملكة زينتها ناعمة تشبه شخصيتها فستان ساده وراسم تفاصيل جسدها بطريقة راقية تحب كثير الألوان الفاتحة وشعرها مسدول بلونه المميز على كتفها وخصرها رمت الكعب عند باب المدخل وسهم سابقاً ترك البيت بعد ما اخبر ام قايد بكل شيء وسلم المهمة لها
غالب دخل البيت وداهمه بمنتصف الحفلة وصار بمكانه المفضل الغرفة القريبة من المطبخ بطابعها الأرضي قرر يسترق السمع وبوجود البتول صار يتصرف بغرابة بعيده كل البعد عن تركيبته وشخصيته
راوية : البتول اتركي اللي في يدش وتعالي عندي لش هرجة
البتول : اسمعك خالة بس اخلص القهوة
راوية : اتركي القهوة هنا
تركت الكوب وتوجهت لخالتها المتوترة : عادل
البتول قاطعتها بسرعة : اشبه عادل
راوية : يا أمي لا تقاطعيني خليني اخلص عادل يقول خلاص
البتول بعدم فهم : ايش يعني خلاص مو فاهمة ؟
دنقت واللي بتقوله ثقيل بحق هذه الوردة: عادل يقول انه تراجع وده يفركش العرس كله
بردت اطرافها وظهرت ابتسامة باردة ذابلة على محياها ويديها بالهوا ثابتة رمشت اكثر من مرة وقالت : مافهمت وليه يتفركش سامع شيء ؟
راوية : لا بس بس
قاطعتها البتول : لا تكملي فهمت فهمت هو دوبه يستوعب ان عندي سكر ومعتبره مرض خطير وخايف على سلالته وهو ايش يضمنه واثق من مقوماته الذكورية ؟ ضحكت بتهكم والضحكة خلّفت دموع والدموع وسعت طريقها وصارت تشهق : خالة راوية ليه مو من البداية ؟ ليه نتعلق كلنا بقصة وهمية مالها أساس ليه انا اللي بس اتعلق ؟
ضمت وجهها بيديها ومسحت الدموع وبصوت فيه من الخيبة الكثير : خالة راوية سهم مو هنا زعلان طلع من البيت عشاني
راوية : اتركي سهم وفكري بنفسش
البتول : مالي شغل بنفسي سهم سهم لا يهتم عشاني
صارت تمشي بالمكان وبلا وجهه رفعت جوالها وجواله مغلق هنا تسلق الإحمرار كل جسدها وجهها صار يحترق بعد ما احترق قلبها
ام قايد خافت يضطرب سكرها اتصلت بقايد ومرت دقائق وصار بوسط المكان والبتول واقفة أمامه وتحترق : البتول امسكي حطي الثلج على وجهك أمي جيبي جهاز السكر بسرعة هربت البتول وسط نظراتهم المذهولة وهي منهارة تماماً ركض قايد خلفها وهي تصعد الدرجات المتباعدة تشهق وتبكي ركض وحملها للأسفل وضع الثلج على وجهها وغالب بمكانه يشعر ان المكان بما فيه يخنقون انفاسه ليه ضاق من ضيقها وعادل القبيح وده انه الآن بقبضته وده يعتصره ويخرج ثمن دموع البتول من دمه
هو يكره عفويتها ونعومتها ومياعتها المبالغ فيها لكن انصدم ان حزنها قلب كيانه وهز ضلوعه وصار يعبر المكان بغضب لأجلها هي همس وهو يوهم نفسه اكيد متخيلها مثل تذكار او يمكن هتاف او يمكن لوهلة صارت غزل بعيده كل البعد عن قلبه لكن اهتزت حميته ومن أجلها !
أنت تقرأ
ساري الجبل واخوان ساري
General Fiction.حينما تضيق بك الحياة ، تختنق بآلامك وحيداً ، تتنفس من خرم إبرة ، تولد أحاسيس خيالية ، وأخرى من رحم الواقع ، "هنا يكمن نتاج المعاناة " وهنا البداية تنطوي الأيام بحلوها ومرها ،نوقد مصابيح للفرح ونتخطى العثرات نغلق ابواب الألم وتفتح ابواب اخرى مؤلمة...