: طولو علي ماعاد فيني صبر
هتاف وهي تعبر الحوش وتمتره بتوتر عظيم ، اليوم أول لقاء بعد سنين فراق ، هتاف الثوب الأحمر والجديلتين اليوم واقفة بوجه الغياب والفراق اللي ما اختارته هي ولا اختارته أمها ، واقفة تنتظر قصة جديدة ، واقفة وهي أم عاشت كل التقلبات وعاشت لوعة أمها بدون لاتدرك ..
جمعت يديها وهي تفركها ، صعدت زفراتها ونزلت كفوفها تضرب فيها أرجلها وهذه الحالة بمثابة مخاض جديد ..
اقتربت من الباب الكبير بعد مارمت شالها على رأسها ، أخرجت رأسها ومررت عيونها بزوايا الممرات الضيقة وعلى الجدران القريبة ، امتدت نظراتها للطريق اللي بيضم خطوات أمها بعد خطوات السفر وبعد وجهاتها اللي كانت تقصدها بلا رغبة ولا اختيار ، هنا وجهتها الأخيرة هنا مقرها ومستقرها لكن طولت وصبرها نفذ رفعت صوتها تنادي يمكن قريبة وتعجل بخطواتها : يمه يمه
دخلت وضربت الباب جلست عند العتبة ورجعت تفرك يديها والجميع بوضع متفرج والحروف بمثل هالموقف خانت الكل ، الكل يترقب بزاويته ينتظر هذا اللقاء لكن حتى وهي بآخر محطات الغياب نال منها الإنتظار ، يالله أي وجع يقاسيه قلبها الآن
ارتفعت الطرقات وفزت بلهفة سنينها الماضية واللي انحرمت تعيشها بسبب عقدة لعينة ، لفت للمتفرجين وبدون وعي صرخت : جت جت
انخرطت دمعاتها وانهل المكنون وانتهى الإنتظار الثقيل استقرت وأخيراً بحضن أمها اللي كانت تعيش أضعاف لهفتها وأضعاف مرارتها طوقتها بأمومة سلبت منها سنين طويلة وانتهت رحلاتها واجتمع قلبها بنبضاته : بس يا أمي بس ، برد جوفي يمه برد ، ارتويت وانتهت مشاوير الظما ، يانعمة الضنا اللي باعدو بيني وبينها ، يافرحتي اللي خذوها مني رجع الحق لأصاحبه رجع رجع ..رهاف في الخلف تهتز وتضم أمان لكن أمها طوقتها مع اختها ايه حضنها شاسع ويتسع ايه هي أم وقلبها فضفاض ..
سقط شالها وبانت خصلاتها البيض اللي كانت عن انتظار ولهفة مدفونة وضنا انسرق من جوفها انتهى اللقاء ومثل ماقالت غاية فرحتها اللي خذوها منها رجعت ورجع الحق لأصحابه ولو طالت المدة رجع رجع ...
.
انتهت تجهيزات عرس ساري رابح كان رفيقه في الأيام الماضية يده بيدينه ومستحيل يفارقه رابح من قبل السجن ومن قبل يتغلب ويذوق الظلم كان ينتقي علاقاته كان ينتقيها بدقة لدرجة الهوس ، كان مصاب بوسواس العلاقات لكن مع ساري غابت أعراضه السابقة والنفور من الصداقات الدنيا قدمت له صديق ثمين وعلى طبق من المعزة ومن الوفا ، صاحب يرخي عليه همومه ويعتزي بجنبه
ضيف الله يراقب هذا التناغم بندم كان مستحوذ على نظراته خصوصاً وقت تلاقت الأعين ووقت مارابح صوب شعاع اللوم على قلب جده اللي يكتسيه الخجل بعد ما تغطى بخطاياه وظلم أحفاده بسببها ..
أديب قريب من ساحة العرضة الوقت قبيل العصر والجو غيم مع رشات خفيفة ابتدت العرضات وحفل الرجال اللي كان على شرف فرحة ساري بن ضيف الله وعرسه المنتظر ..بجهه ثانية غالب يمتر ممرات المستشفى بعد ماداهم البتول مخاض الولادة مرت ساعات طويلة وهو ينتظر وبسبب طلبها الغريب اللي انجبر ينفذه انقضت الساعات العصيبة وهو يحصيها وكن الثواني تمشي على قلبه، قضى هالساعات وحيد وعاش كل ألوان القلق والخوف بمفرده ..
مرت ساعة وصبره انتهى لكن نطق الفرج وكان صوته صرخة نورة ، وأخيراً نورت نورة دنياه ، وأخيراً انتعش محياه وابتسم بعد ماطفرت دمعته وهو يتخيل انه بأحضان نورة الأم تبارك له وتهنيه وهو يبارك لها بالحفيدة والسمية ضم وجهه بيدينه ومسح أهدابه رفع جواله وزف البشاره لأهله وأهلها ..
أنت تقرأ
ساري الجبل واخوان ساري
General Fiction.حينما تضيق بك الحياة ، تختنق بآلامك وحيداً ، تتنفس من خرم إبرة ، تولد أحاسيس خيالية ، وأخرى من رحم الواقع ، "هنا يكمن نتاج المعاناة " وهنا البداية تنطوي الأيام بحلوها ومرها ،نوقد مصابيح للفرح ونتخطى العثرات نغلق ابواب الألم وتفتح ابواب اخرى مؤلمة...