نهض غالب جهة الحطب يدرك الآن وقع الصدمة على روح سهم يدرك انه الآن يحاول بكامل مقاومته ولو كانت مهزوزة يدرك انه يقاوم هذا الإنسكاب وبالفعل رجع للجلسة وهو يحمل أعواد الحطب رافع طرف ثوبه قال بصوت يتظاهر فيه بالمرح : يقولون النار ودخانها تطرد المزيون والظاهر اليوم قررت تمازح المزيون شوي وهلت دموعه
سهم وهو يمسح ماتبقى من الدمع وبداخله أحرف إمتنان لاحصر لها لهذا الرجل اللي بدون لايشعر سهم صار يسرق منه تماسك ويسرق منه صلابة حتى لو القليل لكن تأثير غالب له حضور بداخل سهم بمواقفه وبنظراته حتى بتعابيره الغير مباشره كانت توصله بأدق تفاصيلها كان يسانده لكن بطريقته هو همس له : الوقت تأخر وخلصت عليك الشاهي كله راح بالأرض
غالب وهو مبتسم ويهز كاسة الشاي بيده : والله ماتروح من هنا إلا وانت متقهوي ومروق
سهم بتردد : كنت متخوف ومتردد ماعرف كيف افاتح أختي بموضوع بيجرحها ويبكيها
غالب وهو يناظره بإندماج : عسى ماخلاف؟
سهم وكاسة الشاي بيده صارت ترجف من رجفته :البتول كانت مخطوبة من كم شهر واليوم اتصل خطيبها وقرر يفركش كل حاجة
شد غالب على سبحته بدون شعور منه اسمها ومواقفها وكل شيء يتعلق فيها يثير بداخله اشياء غير مألوفة بالنسبة هي أكيد بعيدة عن الحب لكن ليه إضطرب وهو يسمع عنها وعن زواجها وخطيبها اللي قرر يتخلى بوقت غير متوقع
سهم بحرقة : كان المفروض ملكتهم بعد عيد الأضحى سمع من أهله ان فيها سكر اتصل اليوم بكل وقاحة يقول ليه ماقلت لي ان اختك مريضة ؟ اختي مو مريضة اختي من كثر الحلاوة اللي بنفسها صارت غير عن الكل اختي الحلاوة فيها زايدة مو بس وجه وشكل وقلب كل حاجة فيها حلوة
قاطعه غالب وهو يشاهد احتراقه ومن أجل البتول : خيرة الله ماقسم روح وإذا ودك اروح معك ابشر بي ولا تضيق دامه يشوفها مريضة لا تستبعد انه مايقدرها هذا وهم بالبر ماقدر وش عاد ترتجي منه بعدين
رفع جواله عند وجهه وهو يشاهد اسمها بالشاشة حلاوة الدنيا مسميها همس له بضيق : كيف ارد ؟
فتح المكالمة وصل غالب صوتها الملهوف : سهم حبيبي وين رحت لا تخليني اتهور والبس عباتي افر الحارة مثل المجنونة بنص الليل
سهم بهدوء : عند غالب نامي لا تنتظريني
البتول براحة : طيب قول من أول انك عند شجاع اسمع قبل تطلع فتش بيته وجيب حلاوتي المسروقة المفجوع سرق حلوياتي مرة ثانية
غالب كتم ضحكته وسهم غرق بإحراجه تذكر غالب زيارته الأخيرة لعمته سرق حلوياتها من الثلاجة قبل يخرج من البيت ضحك وهو يشاهد سهم يحاول يقفل وهي تثرثر بلا توقف اضطر يقفل المكالمة بوجهها نطق : نسيت نقطة ثانية هي حلوة بس تمسك خط بالكلام مستحيل توقف
شاهد غالب مزاجه بدأ يتحسن وقرر يطول معه بالسهرة : دام روقت بجيب حلويات اختك ونتقهوى عليها نتشارك بالسرقة والا وش رايك ؟
ضحك سهم وشاركه غالب الضحك ..
.
.
تمارا : عمي الليلة عندنا عزيمة
جابر ميل رأسه وهو يجاري خطواتها : طيب وش المطلوب مني أنا بالذات
صار مزاجه سيء وردوده مقتضبه يبدو ان الغضب اللي طال حسناء طال الكل حتى نفسه
تمارا توقفت وهي ترمقه بنظرتها المعتادة دايم ترد بنفس تعاملهم اللي يصير لين تلين معه واللي يقسى ترد له بالمثل : انت حط ببالك ان حسناء شيء واحنا شيء ثاني لاتخلط الناس بتعاملك
حك شاربه ومزاجه سيء وماعنده وقت للحوارات الطويلة : اختصري والا اضربي الباب وروحي عن وجهي والله اكبر منها وترادد
بعناد رفعت يدينها وعقدتها وقالت : والله لو جدي ضيف الله انت تعرفني وقحة ولا علي من احد المهم اليوم نسوان الحارة بيجون
التقط مقصدها وتأفف : وطبعاً كلهم فضول يعرفون حرم جابر ومن وين جابها وكيف شكلها عارف العلوم ذي وخابرها لا جديد
قاطعته : طبعاً انت ماعندك مشكلة بس لاجديد بشيء ثاني اكتشفناه بعد زواجك
لاحظت انعقاد وجهه انصبغ لونه وبانت تقاسيم الغضب من جديد لم تهتم : علامة ضرب جديدة ما تتغطى أبد وش اللي يغطيها أصلاً وهي ملتهبة وثيابها هذي ثياب زوجة لواحد من عيال ضيف الله والله انا اقول عيب حتى خاتم بيدها ماشفت
سحبها من طولها وصارت وسط قبضته وصار جسدها يهتز وعينه الحادة مصوبها على وجهها المذعور : ابلعي لسانش لا تطلع نفسي الشينة ويطالش الزعل صح وبعدين لو تطلع لهم وهي متكسرة بقول ايه ذي مرتي وتستاهل
دفع جسدها على الأرض وهو يتحرك للباب والغضب معمي عينه تذكر انه ضرب حسناء أمس لسبب لايذكر بعد ما اكتشف كمه المحروق بعد كويها لثيابه ضربها كف من كفوفه المعتادة وهي ردت عليه نفس الردصمت قاتل وبرود ونظرة رمادية بلا ملامح وبلا شعور تراجع ودخل للبيت وده ينهي هذا العبث بضربة واحدة لكن حسناء تملك طاقة تحمل تذهله دائماً
رايحة لهم تتشكين ضعيفة الله ماتحملو نظراتها الكذبية صار عندش اكثر من محامي انبسطتي؟
حسناء وذراعها تخدرت من أصابعه الثقيلة صار يضغطها وهي كلها بحضنه شعرها رهن ليده الثانية وجسمها الرقيق صار تحت تأثير حدته الغاضبة كان يتنفس بقوة وهي معه تتنفس لكن بخوف وذعر هي لاتملك من المشاعر غير الخوف عدتها وعتادها نظراتها الذابلة لكن اليوم اسبلت عيونها واستسلمت لهذا الضخم يبدو انه يستخدمها للكبت ويستخدم جسدها لتفريغ شحناته الغاضبة بلا توقف وهي صارت تألف يده الثقيلة وصارت تخمن نوع عقابها قبل لا يبتديه هي الآن بحضنه دايم تحلم انها تطير من السعد وبحضن تأمنه لكن دائماً جابر يعاكس تيّار أحلامها واقعها يشبهها ومتجذر فيها ومنها حضن ينتهي بمرارة وأوجاع حضن مأساوي وقبضاته ولمساته تبقى ثابتة وأثرها يشوفه الكل لكن ما يرحمها أحد حتى نفسها ماترحمها : تحسبينهم بيوقفون بصفش لا بيقولون تسلم يمينه افلتها من يده وصارت بحطام روحها على الأرض تنتظر عقوبة كلامية ووقعها أكبر من أوجاع الجسد : اهلي اليوم يحضرون لش عزيمة نسوان القرية بيشوفونش بس عادي اسأل سؤال ؟
فتحت عيونها وصوبتها ناحية وجهه حك عارضه وهو يتعمد ابتسامة تزيد من وقع الوجع بروحها كان يتعمدها بكل مرة يقرر فيها يثقل العقوبة ويستفرد بجسدها وليونته : تقدرين تتنازلين عن ثياب المطبخ وتخرجين للدنيا بثوب جديد ؟ عادي أجاوب والا عندش جواب
نهضت بثقلها ووجعها وعينها لازالت بعينه بادلته نفس الإبتسامة وعينها تحمل نفس اللمعان اللي جذب تمارا وقبلها جذبه : ليت والله سعدي و مناي التقي بثياب جديدة بس ثيابي القديمة بالوضع الحالي تكفي وتوفي ماعندي روح جديدة الروح القديمة بثقوبها وبعيوبها وبالآثار المرسومة ومغطيتها بالكامل عندي استعداد اطلع فيها واواجه غيري دام مارحمت نفسي تبغاني استحي وانا اواجه الناس بالآثار اللي متربعة على وجهي ؟
تراجع بحدة واليوم قررت ترحم نفسها وتتكلم عنها لكن حسناء بثقوبها القديمة وبعيوبها مثل ماقالت حتى هي تكره نفسها يعني هي راضية عن ضربه ووو ليه شعور كريه قفز الآن وتوسط اللحظة ليه سد من العطف أسس جذوره وبدأ يظهر بينه وبينها ليه واستفهامات كثيره همس لها بهدوء:...
.
أنت تقرأ
ساري الجبل واخوان ساري
General Fiction.حينما تضيق بك الحياة ، تختنق بآلامك وحيداً ، تتنفس من خرم إبرة ، تولد أحاسيس خيالية ، وأخرى من رحم الواقع ، "هنا يكمن نتاج المعاناة " وهنا البداية تنطوي الأيام بحلوها ومرها ،نوقد مصابيح للفرح ونتخطى العثرات نغلق ابواب الألم وتفتح ابواب اخرى مؤلمة...