وبالفعل حسناء كانت تحت ركام الوجع ولأيام وليالي تصرخ وصوتها لم يتعدى عتبة بابها المشروخ ، تصرخ حتى ان حنجرتها تصدعت من صوتها اللي كانت ترده الزوايا ويرجع لنفس المكان بلا جدوى كانت تصرخ هباء
صرخ : وش جاش من اللي حرق قلبي وأوجعه من اللي ضيع ملامحش وغيبها انطقي انطقي ولا تناظريني بدون صوت تكفين
شدت كفوفها نفس كل مرة لكن سبقها وضمها لينطق : تكفين لا توجعيني ما اكتفيتي من الدم ومن الألم تكفين لاتجرحين قلبي لاتخدشينه بكفوفش بس بس
ضم كفوفها لصدره وهو يزفر حرقته والدم تجمع بصدره والقهر فاق الوصف واللحظة هذه كانت قاتلة أشد من وقع الحريق اللي التهم أحبابه
حسناء بصوت مجروح : كنت متأكدة أنك بتوصل حتى لو تأخرت ، وحتى لو أختفى نص وجهي ورى جروحه وورى قسوة الحروق كنت متأكدة بتوصل وصلك صوتي ياجابر
جابر وهو ينتفض حرر يديها من حضنه وهي رفعت يديها ناحية وجهه : لا تتركها ياجابر يكفي الجيران اللي خيبو الهقوة ، يكفي جارتنا " سعدية " اللي كانت تسمع صوتي كل ليل وماحرك فيها شعرهكانت تظن أنه جاي وبيتركها !!
نطقت : أنا في وجهك يابن ضيف الله ، أنا في وجهك من عذابي ومن ضيم الدنيا ومن فراق عيالي أنا في وجهك لا تخليني
انتفض وهذه المرة انتفضت رجولته شد يدها وهو ينطق بمرارة : العذاب اللي شربتي لذعته من يديني والضيم اللي تلحفه قلبش من جروحي ومن نظراتي ومن ظنوني الشينة
لمع الدمع بعينه وأكمل : ولا فراق عيونش يوم خليتيها رهينة بيتنا المشروخ من مدة تركتي بين جدراننا روح تصرخ فينا كل يوم ، ويوم فقت جيت على الرماد اخ ياحسناء اخخخ
جثت على الأرض بعد ماخانتها القوة نطقت وهي تضرب بيدينها على رجولها وتهز رأسها : أنت ماسويت شيء ، تذكر يوم أقول كنت تضرب جهه ميتة أيسر صدري عقابك يابن ضيف الله ونظراتك الملتهبة وصوتك اللي ترفعه ماكان يعني لي شي تدري ليه ؟ كنت أشوف الندم والندم كان يحسسني بأمان ماعمري عرفته
هي تظن أنها خففت من لوعته لكن زادت زاد اللهيب بقلبه وانحنى بجسمه لها رفع رأسها له :قولي لي طالبش قولي من اللي بقلب بارد قدر يحرق الوجه الحنون قولي لي
حسناء : لاهو واحد ولا اثنين لاهو واحد ولا اثنين
ضمها لضلوعه وعينه احترقت من حرارة الدمع اللي إحتبس مثل دموعها همس بقهر : الله ياخذ عمري ان كان ماخذيت الحق لش وان كان ما اقتصيت لكل دمعة محبوسة داخل صدرش حتى يديني وصوتي اللي اوجعوش بيوم والله ان يذوقون ماذقتي
حسناء : أبعدني من هنا ياجابر أبعدني من السوط اللي يحرق ظهري كل ليلة ، أبعدني من هنا وأعتبر هذي حقي من يدينك ومن صوتك أبعدني لآخر الدنيا أبعدني لديره تبكيني
تدور البكا تدور بقعة تشفق فيها على روحها اللي هانت عليها ومن زمان !رفعها بدون رد همست بإذنه قبل تفقد وعيها : قبل ساعة بالضبط كان هنا واحد منهم ووو
فتح عينه على وسعها بعد ما مال رأسها بحضنه صرخ وهو يحاول يوعيها ، نال من جسدها مثل ماشوه ملامحها !رفعها بوجه أبوه المترقب شاهد لمعة الدمع بعيون ولده ركض له وجابر يصرخ بجنون : المستشفى المستشفى
وبأقرب مستشفى للقرية وصل نادر وولده الموجوع يحتضن زوجته اللي تغطت ملامحها بخدوش وحروق ودم متجمع بثوبها القديم ، رجفة غريبة اعترته خالجه شعور الندم ، حسناء الطفلة اللي قبل سنين إستفزعت فيه وأهان طفولتها وهو يسلمها لولده وحيد وتمر سنين وترجع ترتبط بنفس العائلة ويرجع نفس وجعها ، رمق جسدها الصغير وجابر غايب عن التفكير سارح بجسدها المغمور بجراح تدفق الدم وسال منها داخل قلبه ولروحه ، نال من وجعها الكثير ، تنهد نادر بعد ماسمع صوت جابر وهو يهمس بوجع وبندم : كل شيء شين طرى علي الحين ، ماني مسامح قلبي لو الشي اللي في بالي ومتوجع منه صار ، تكفين ياحسناء روفي فيني تكفين
لثم طرف خدها المجروح بعد ماشد من ضمته وكأنه يحميها من الفكرة اللي غزت باله وهذا الكريه اللي استمتع بجسدها و رماها ، كيف هان عليه ضعفها وجوعها وصوتها اللي غاب من تعب ليالي نالت فيها من المرارة الكثير والكثير ..
وصل وهو يركض رفض أحد غيره يحملها ، رفض السرير اللي ينقلها لغرفة الطوارئ ، متمسك فيها بكل خطوة حتى وهي طريحة بين كفوفه غايبة عن الوعي بكل نفس تتنفسه عزم يكفر عزم يمحي آثار ندباته وهي بحضنه وبين كفوفه وصلها للسرير وهمس للطبيب المناوب : زوجها أنا وطبيب لكن اليوم ماقدر بابي مخلوع ، الذنب اللي لبسته ثوب جردني حتى من روح الطبيب وأمانته
أنت تقرأ
ساري الجبل واخوان ساري
General Fiction.حينما تضيق بك الحياة ، تختنق بآلامك وحيداً ، تتنفس من خرم إبرة ، تولد أحاسيس خيالية ، وأخرى من رحم الواقع ، "هنا يكمن نتاج المعاناة " وهنا البداية تنطوي الأيام بحلوها ومرها ،نوقد مصابيح للفرح ونتخطى العثرات نغلق ابواب الألم وتفتح ابواب اخرى مؤلمة...