أقفلت الباب بهدوء رجعت للخلف واصطدم ظهرها بجسم صلب لفت وابتلعت ريقها وكأنها دوهمت بجرم نطق : وين كنتي ؟
حسناء ردت : بالسطح
جابر بتعجب : وبالسطح وش جابش هناك وش عندش فيه؟
ضمت كفوفها نفس عادتها وهي تتحاور معه تجرحها وتدميها ، التقط يدها وبنيته ينقذ جلدها من ضغطها المريب وأذيتها له أغمضت عينها تستعد للصفعة وهو قشعريره غريبة تسلقت جسده، انقبض قلبه من هروبها بمكانها ماكان بوسعها غير تغمض عيونها وهذا الهرب كان قاتل بالنسبة له رفع يدها وقربها من عيونه كشر وهو يقول : من متى وانتي تأذينها ؟
بهمس بارد باهت خالي من ألوان الحياة : وهي وقفت الدنيا على يديني وبس ؟ الأذى اللي ارتكبه بحقها رحمة لها
جابر بهدوء : ومن متى ارتبط الأذى بالرحمة ؟
دققت بوجهه وهنا الكارثة نقطة عيونها ولمعتها الغريبة وتقوس فمها وكل ملامحها تاه تاه وهو يتنقل بينها بنظراته ردت حسناء ببساطة : الجواب ما اتوقع تلاقيه عندي ولا اتوقع يكون عندك وانت ماتفرق بين الأذى وبين الرحمة صمتت وابتلعت ريقها :
انت ماتعرف إلا وجه واحد ، الأذى ولا تربطه بوجه ثاني غيرك
مرت من عنده لكن جذب يدها وهي مستعده لصفعتها الجديدة ، انصدمت وجروح يدينها صارت ملتفة بمنديل أبيض ميلت فمها بسخرية ابتدى بأصغر وجع غض طرفه عن كل شي وانشغل بجروح صغيرة لا تذكر انتظرته ينهي طبطبته اللي كانت بلا معنى بالنسبة لها بعد مافرغ من تطبيبه الساذج بعينها ، تحركت لغرف أطفالها تتفقدهم وهو واقف بمكانه وحديثها عن الأذى لن ينساه ..
.
.
قبل رمضان بأسبوع فقط ..غالب ..
هو حلف أيمان وعودته لبيتهم القديمة مرهونة بذكرياته ، بعد ما عزم يتخلص من أصغرها بعد ماقرر ينهيها بأي شكل وبأي حل ماكان بوسعه غير حل واحد فقط ينهي هذا الصراع وينهي ذكرياته كما يزعم هو ..
عزم يتمم أمور زواجه ظناً منه ان النسيان مرتبط بقراره المستعجل والغريب نوعاً ما ، يظن ان زواجه حاجز منيع أمام ذكرياته بالذات بالذات تلك الفتاة القابعة بين حناياه المتشبثه بأوردته ، هو لا يعرف من الإناث إلا البتول تعرّف بسرعة على عيوبها قبل مزاياها يعرف جيداً وأكثر شيء متيقن منه المستحيل الفاصل بينهم ، من المستحيل يألف ليونتها مياعتها بالذات طريقة حديثها لم تروق له كل شيء كل شيء ، لكن لا يملك خيار آخر، يعرفها وهذا الشيء يكفيه أو كما يظن هو ..
خطبها من عمته ومن بعد عودتها لمكة ضمن موافقتها وغالب وأخوانه وأهله كلهم الآن بأرض مكة ..جابر أديب ساري وقبلهم والدهم ..
الزواج محفوف حضره المقربين بقاعة صغيرة قايد و والده وقبلهم سهم كلهم في الصورة ..اما قسم النساء كانت بهجته مختلفة
حضرت غزل وحضرت تذكار اما البقية أخواتها وعائلتها ..فستان أحلامها صار من نصيب غالب وكل شيء تبدل بسرعة غريبة ، هي مقتنعة بهذا الشجاع ومعجبة بشخصه وكل شي فيه ، إصراره هو من دفعها على الموافقة السريعة ، كيف انهى كل شيء بسرعة ؟ هي تظن انه يوسع خطواته من أجلها هي لكن الشيء اللي تجهله أنه يهرب من قلبه ومن حبه إليها تجهل انه يستخدمها للنسيان هي تجهل انها طرف ضمان لا أكثر ، ضمان مشاعره وأمان لنفسه من ذكرياته ..
مشعة متوهجة بالأبيض ، فستان ناعم وطرحة طويلة ، رسمت إبتسامتها المعتادة على صفحة وجهها الجميل النقي وصارت الصورة متكاملة طلت ببهاء للحاضرين ملفتة بتعابيرها ونظراتها اللطيفة وعفويتها المحببة نزلت من المنصة وخرجت لعريسها ..وصلت للسيارة وقبل مايتحرك الفندق مسحها بنظرات غاضبة ومن ثم قال بجلافة : لحظة لحظة وش تسوين بالعفش ذا ؟
البتول : أي عفش ؟
غضب من تغابيها ؛ انزلي وشيلي البلا اللي عليش
بخوف : مافهمت
صرخ واهتزت بذعر : ماتفهمين الهرج انتي ؟ تبغين تنزلين بالبلوة ذي قدام العرب واللي مايشتري يتفرج ؟
أول لقاء لهم بعد الزواج استفتاحية حياتهم جلافة وصوت حاد وغضب بغير محله ، إستخفاف ونبرات تهكمية انكسر خاطرها ونزلت بسرعه ، وهو بدوره تأفف بيتعب كثير مع رقتها هو جلف الطبع وصوته قاسي ويجهل التعامل مع نعومة الإناث وبالنسبة له نعومتها وضع خاص جداً ، رجعت للسيارة جلست بجنبه صامته وبحضنها حقيبتها تأفف لتنطق بعبرة : أيش كمان ؟
غالب : وين اغراضش؟
ليلتفت بسرعة قبل ردها ليستوعب انه سرح وهي وضعت كل شيء بالخلف كان يفكر بمكان بعيد وقلبه في مكان ثاني وهي لاحظت سمى بالله وحرك السيارة
أنت تقرأ
ساري الجبل واخوان ساري
General Fiction.حينما تضيق بك الحياة ، تختنق بآلامك وحيداً ، تتنفس من خرم إبرة ، تولد أحاسيس خيالية ، وأخرى من رحم الواقع ، "هنا يكمن نتاج المعاناة " وهنا البداية تنطوي الأيام بحلوها ومرها ،نوقد مصابيح للفرح ونتخطى العثرات نغلق ابواب الألم وتفتح ابواب اخرى مؤلمة...