نامت هتاف بالصالة أو بالأصح قضت ليلتها الثقيلة مع نفسها وأفكارها تحت غطاء ثقيل لم تغمض عينها والجمود تلبسها والصمت أخذ الحيز الأكبر من الموقف ومن ليلتها مع عتيق اللي كان ينتظر نصف حرف تخرجه من ثغرها ويشعره بالأمان
ايه زل لسانه هو ما اعترف لنفسه انها زوجته وحياته اللي اختارها كيف يخبر الناس أو الأغراب ان هذه زوجته وحياته ؟
فتح الستار انتشر نسيم الصباح بحيويته داعب المكان لكن هتاف متسمرة بمكانها من ساعات
حمحم لكن كيف ينطق إسمها ؟ ظهرت له صعوبة البداية وده ينسحب لكن حملت نفسها وثقلها وظهرت من تحت الغطاء بشعرها القصير الفوضوي وخطوط الوسادة مرسومه على خدها اليمين ميلت رأسها وهي تقول : بختصر عليك المقدمات الطويلة عتيق انت تخجل من ارتباط اسمي وشكلي وكل شيء يتعلق فيني بإسمك الكبير ومكانتك ؟
عينه بالأرض وعاقد اصابعه ماعنده جواب
أكملت هي : كنت اظن حبي لحاله يكفي كنت اظن اهتمامي بيغير شيء ويضيف لون جديد لقصتنا لقيتني اركض بمكاني ماتحركت تسع سنين عمر افنيناه غرفة واحدة سرير واحد لكن ليه تفصلنا مسافة تهد الحيل ؟
زفر وللأسف جوابه يوجع حيل لذا اكتفى بالصمت معطيها حرية التحدث ويبدو انها تتقن صف حروف العتب لم يتخيل أبداً انها تملك كل هذا العمق
نهضت وهي ترمي الغطاء على الأرض : دايم إذا واجهتك تتعامل معي بالسكات
نزلت عند رجوله وضعت يدها على ركبته وصار وجهها مقابل وجهه بالتمام : لو تعترف بشيء لو تنطق بحرف ويكون بمكانه الصحيح حتى لو يجرح نطقك له يكفيني بيكون اهون من لعبة الصمت اللي تخنقك قبل تخنقني !
همس وأخيراً : قضيتي ؟
حركت فمها وهي كلها رجاء ينطق بكلام يشبع لهفتها لكن دائم يحضر الصمت في حضرتها : حكي الأمس يبقى بمحله واليوم أبد مايشبهه
شدت بكفها على ركبته : قصدك صفحة جديدة؟
عتيق وهو وده يتخلص منها : هدنه ، أوعدش آخر مرة يجيش مني وجع وانتي مثل لو تشوفيني عامليني بالتجاهل !
هتاف : عتيق وش قاعد تقول هذي مو هدنة ذا هروب !
صدمها وهو يقول : انسي انسي
دفع يدينها ونهض وهو يتجاهل نظرة عيونها والرجا اللي فيها حمل اوراقه وخرج
وقف عند الباب للحظات هتاف كل يوم تصدمه هو اللي يعرفها انها فتاة لم تكمل تعليمها قضت سنوات حياتها بالمطبخ لكن مفرداتها وحديثها معه بكل مرة يجذب شي بداخله تساؤل دائم يزاحم صدمته من طلاقتها لكن بكل مرة يتجاهل صدمته ويتجاهل تساؤلاته ...
.
.
بمكتبه وأخيراً رجع يرتب أوراقه بعد ماترك أعماله المتراكمة بسبب ظروف عائلته التي لاتنتهي ولم تنتهي ..
أمل وهي واقفة تنتظره ينتهي وينتبه لوجودها : استاذ ساري في بنت جديدة ارسلت قبل اسبوع كل شي يخصها وصراحة ماحسيت انها مناسبة للمكان لكن قلت تشوف انت
وش اسمها وليه مو مناسبة ؟
رهاف عبدالله ، ١٩ سنة صغيرة و بعيدة عن الشروط ومانحتاجها
ساري وهو يراقب عدة تصاميم من جهازه : ام ريان سبق وقلت اي بنت تحتاج الشغل شوفي أول ليه قدمت على المكان حتى قبل شروطها !
أمل بدهشة : والإحترافية !
صار يمرر قلمه على كم ورقه و يوقعها : مايهم !
حركت فمها من تحت النقاب وخرجت لكن صادفت نفس الفتاة المبتسمة سابقاً بادلتها الإبتسامة من خلف النقاب ودخلت مكتبها
حرير بعد ماطرقت الباب دخلت وهي تحمل حقيبتها وكوبين قهوة
صباح الخير
عينه على اوراقه نطق : هلا
جلست وهي تنتظر وبنفس الروح السابقة توزع نظراتها على المكان وكأنها للتو تدخله
ساري : عندك موعد والا كذا جاية مدرعمة !
فتحت فمها لكن الحروف خانتها قررت تستخدم سحرها العفوي سحبت الكوب الساخن
جهته : عربون البدايات
رفع حاجبه وقال : زبدة الهرج وينها ؟
حضنت كفوفها وهي تقترب من المكتب : عطيتني موعد ولكن تجاهلت ورجعت عطيتني موعد جديد
ساري وهو يرتب أوراق أخرى بملف جديد : اختصري
طرقت المكتب بيدها تعكر مزاجها من اسلوبه : كيف اقدر اتكلم وانت مو معطيني اهتمام ؟
ضرب على الأوراق بكفوفه وقال : آسفين واختصري
حرير بهدوء : حابة اتعاون معاكم بمجموعتي الجديدة عندي كم تصميم جاهز ومن سنوات طويلة
ساري ببرود : طيب ؟ اخلصي؟
بدت تتوتر الأمور الرسمية لا تجيد التعامل معها : بس خلصت !
ساري : كيف يعني مجموعة وحابة تشوف النور وغيره؟
حرير وهي تحاول تمسك نفسها بروده ونظراته تخوف اللقاء هذا يختلف عن أول لقاء ويبدو انها بوادر فشل لأنه رجع ينشغل عنها بأوراقه
حرير : عادي اتكلم بعفوية بعيد عن الرسمية ؟
أنت تقرأ
ساري الجبل واخوان ساري
General Fiction.حينما تضيق بك الحياة ، تختنق بآلامك وحيداً ، تتنفس من خرم إبرة ، تولد أحاسيس خيالية ، وأخرى من رحم الواقع ، "هنا يكمن نتاج المعاناة " وهنا البداية تنطوي الأيام بحلوها ومرها ،نوقد مصابيح للفرح ونتخطى العثرات نغلق ابواب الألم وتفتح ابواب اخرى مؤلمة...