والآخر لازال يراقب ..
عمته راوية ام لهتون وهذه الفتاة ابنة لزوجها والآن محترقة ومنهارة لأجلها يدرك قلب تلك المرأة وأي حب تحمله داخلها يدرك ان أمومتها ممكن تغطي الأرض وتحتويها لكن هذه لماذا تبالغ في اهتمامها ؟ أولهم سهم ومن ثم الأم راوية ومن ثم قايد وقبل هذا وذاك واقفة في الممر من اجل فتاة يدرك انها لا تعرفها !
استمر وقوفه ساعتين كان يراقب من بعيد تحركات البتول نزل عينه بحده بعد ماخرجت متوضيه ورافعة كم عبايتها تنشف يدها الزبدية بمناديل دستها بشنطتها ومددت كمها لتجلس وهي تنتظر وقت الصلاة رفعت عينها للواقف المتسمر من ساعات لم يمل ولم يتعب : اجلس يعني لو صرت واقف وقت طويل معناها شاركت اللحظة وعشت الألم ؟ ليه نختار نعاقب انفسنا بطريقة غبية ؟ اجلس يكفيك قلبك
تسمر لثواني رمقها بعينه نثرت حروفها دفعة واحدة وهي لم ترفع رأسها لكن ليه نبرتها لامسته؟
ابتسم بسخرية وهو يتذكر انها فعلت نفس الشيء قبل دقائق فتحت كيس الفطيرة لكن توقفت لثواني وتراجعت أكيد تعاقب نفسها بطريقة غبية مثل ماقالت شاهدها تحمل نفس الكيس وتقترب منه :أكيد جعت صارت من نصيبك يالله بالعافية
التقطها من يدها بدون شعور لكن وضع الكيس على الكرسي أذن الفجر وتحرك من زاويته لف ناحيتها : الوقفة هذي تبقى بيننا تقدرين تعتبرينه سر مشترك ؟ وتقدرين تعتبريني شخص مجهول لأن ماتوقع نلتقي مرة ثانية
توترت من حدة نبرته ومن صوته الثقيل بدون شعور هزت رأسها انسحب غالب بعد ما تأكد ان غزل صارت بخير وان البتول يد أمينة وانه قدر يشارك أهله ولو من بعيد خرج ليعود لعزلته ومكانه المجهول ...
.حرير ..
هذه السنة الخامسة واليوم هو يوم الذكرى المريرة ولهذا السبب الضيق لم يفارقها اليوم ..
حاولت تنفض الذكريات حاولت تتجاهلها لكنها لم تكف عن ملاحقتها ولم تكتفي بذلك وجعها اليوم مضاعف صارت بأرض حزنها وبمستقر وجعها صارت ضيفة الحنين بعد ماكانت من أهل المكان قررت تهرب ولكن الهرب لم ينفعها لتعود لنفس النقطة من جديد محطة الحنين التي هربت منها خمس سنوات اليوم تقف بالقرب منها اختارت جبل ساري جلست بالقرب منه ليلة نصف الشهر والقمر مكتمل واختفت كل الأصوات وارتفع صوت الحنين بحدة صاخبة حاولت تغطي عليه بصوت زفراتها وفشلت سقطت دمعتين والدمعتين خرج وراها سيل جارف لكن لم يجتث الحنين !
أمي سنين وأنا أهرب من المكان اللي يفضح شعوري خايفة تتعرى ملامح الغياب خايفة تتربع وينكشف السر سر الصمود اللي لبسته خمس سنين لقى اليوم مفتاحه وطاح الدمع
أمي الخسارة ماكانت هينه اللي شافو ضحكتي يظنون اني تجاوزت الوجع بأقل الأضرار لكن الضرر هنا داخل صدري أمي أنا ماصرت وحيدة مثل ماكنتي تخافين أمي صار عندي صديقة وبيت ومثل ماوعدت قربت اوفي بوعدي أمي حرير بعد غيابش صارت قوية حتى ماصرت اضحك كثير عشان لاتروح هيبتي ضحكت من بين دموعها ضحكة ممزوجة ببحة بكاء نهضت وهي تراقب المكان
توجهت لسيارتها بعد مانفضت خسارتها لكن لم تكون بمفردها ! ساري صاحب المكان سمع كل حرف لكن لم يشاهد دموعها صد بعينه وخاف يتمادى بالنظر بعد ماسقطت عينه على خصلاتها وهي تتطاير مع النسمات الباردة ليه خسر معها ؟ ليه عاش شعورها لكن ليه لم تسقط دموعه مثلها ؟
يبدو ان هذا الجبل غص بدموع الفقد وهذا المكان لم يعد يملكه صار حضن المكسورين ومحط دموعهم لكن هو لم يسقط دمعه !
تأكد انها حرير المبتهجة وتأكد ان بهجتها وصوتها الضاحك مجرد قناع !
.
.
عتيق وصل بيتهم بعد ما انتهت طاقته بالكامل وساري لم يفارق باب البيت انتظره لساعات طويلة وأخيراً حضر
ساري : مابغيت قلبنا الدنيا واحنا ندور شي يوصلنا لك
عتيق وكل عظمة بجسمه تصرخ ومشاعره تلبسها التبلد والجمود يأس قاتل تمكن منه بالكامل وقَهَر ساري القابع أمامه وصله كل شيء من نظرة واحدة
هتاف هنا
رمقه بنظرة باردة صامتة وساري اشتعل قلقه : عتيق سمعت فهمت ؟
عتيق بنفس التبلد : بطلع الغرفة اتطمن عليها .....
أنت تقرأ
ساري الجبل واخوان ساري
General Fiction.حينما تضيق بك الحياة ، تختنق بآلامك وحيداً ، تتنفس من خرم إبرة ، تولد أحاسيس خيالية ، وأخرى من رحم الواقع ، "هنا يكمن نتاج المعاناة " وهنا البداية تنطوي الأيام بحلوها ومرها ،نوقد مصابيح للفرح ونتخطى العثرات نغلق ابواب الألم وتفتح ابواب اخرى مؤلمة...