كانت تحرك يديها الممتلئة بحماسة : خالة راوية اللي ورى الباب ، أنت من أم مختلفة وأنا من أم مختلفة
سردت التفاصيل أمامي وأنا لم أستوعب بعد إختلاف الأمهات لأنني لم أجرب العيش حتى مع أم واحدة ، وهذه تعيش في كنف أكثر من امرأة
وقفت أمامي وهي تشير لنفسها : أنا أصير لك أخت عارف أيش يعني أخت يعني حضن !
ليعود ذلك الحضن مجدداً ويعاودني ذلك الشعور لكن تدفق بشدة أزاحت خصلاتها العالقة بزرار قميصي لتضحك بشدة: أنا سهم من شجرة مجهولة عشت ١٣ سنة وأنا ما اعرف إلا أسمي !
بمواساة لم أعرفها من قبل أو ربما سمعتها كثيراً من أشخاص لاتعنيهم يدي المتيبسة العالقة في الهواء لسنوات طويلة : أنت سهم وأنت معروف وقدامك سنوات تتعرف فيها على أصغر تفاصيل الدنيا مو بس أسمك
تفرغت تلك القطنة للبقاء بجانبي حينها أدركت بالفعل معنى جديد للتمسك بالحياة كان " إحتواء "البتول حلاوة قطن ، كنت أسمع قايد أخي الكبير يناديها بهذا الإسم لم أدرك معناها بعد لكن شرحت لي المعنى بحلاوة متناهية حينما قالت : أنت تعرف ياسهم حبّات السكر يوم تتغلغل في الأشياء وتغطي المرارة ويصير كل شيء بعدها حالي ؟ قايد يقول عني كذا حلاوة الدنيا
حينها لم أهتم للمعنى لكن مع مرور الوقت أدركت الصور الحقيقية لكل الأشياء التي شرحتها البتول بطفولة شديدة البياض ، كانت تخبرني عن الترابط لم أفهم لأرى أصابعي المتيبسة رهينة ليدها البدينة حينها نطقت : قدامنا طريق طويل ياسهم لو رخيت أنا تشدني ، لو رخيت أنت أشدك أنا ، شفت الأصابع الصغيرة هذي ياسهم ؟
" هي اللي بترفعنا لو وقعنا "
شرحت الترابط والإنتماء بسلاسة متناهية !
بقيت أصابعي المتيبسة متشبثه بهذا الإنتماء بقيت لسنوات وأنا متمسك بهذا القرب، وببساطة لأن البتول أشعلت فتيل صغير بثته في عمقي ليشتعل بتوهج بهذا التقارب الأخوي ببساطة عرفت من خلال شعور واحد بقية المشاعر الأخرى..مسحت دموعها صار يلامسها شعرت أنها جزء من أحرفه كل حرف كانت توقف عنده وتفككه تغوص بعمق المعنى وتعيش لحظاته بكل حذافيرها
تحسست قلبها وقالت
" أستودعت الله قلبك ياسهم "
.
.
رجعت رهاف لحياتها الطبيعية داخل أسوار هذا القصر العميق كانت منسجمة مع أمومتها بكل شغف تمسح خد أمان وترضعها لكن رفعت لحاف الصغيرة بحدة تغطي فيه صدرها بعد ما انفتح الباب اندفعت ام حمد وداهمت الغرفة لتنطق بحدة : جهزي أمورك زوجك خلص أشغاله والليلة بيمركم !
جف ريقها ، لم تستعد بعد لكن هزت رأسها والأخرى إبتسمت بسخرية وخرجت بسرعة بقيت رهاف منصدمة متصلبة تجاهد عدة أفكار ، اقتحمت هدنتها مع الحياة وحالة السلام اللي كانت تعيشها مع طفلتها دنقت للصغيرة مسحت طرف خدها وقالت : كل ماقلت انسجمنا خلاص ندخل دوامة جديدة ، أماني ياماما قدامنا حياة جديدة
نهضت ترتب حقائبها وعينها على طفلتها وداخلها خوف من القادم خايفة من مانع ، اسمه كبير وثقيل خايفة أكثر شيء من الغموض والإستفهامات اللي تحيط بإسمه
إنتهت من كل شيء وصارت تنتظر مصيرها القادم بدون أدنى مقاومة ..
مرت ساعات وصار مانع يتوسط الصالة الكبيرة ينتظر عائلته الجديدة المكتوبة بإسمه
نزلت رهاف حاملة صغيرتها ، حاملة معها مخاوف جديدة طرحتها على كتفها وشعرها مرفوع بنعومة جسدها صغير ، كانت أشبه بطفله تحمل دميتها لا أكثر ، العاملة خلفها تجر الحقائب
مانع مكتفي بالمراقبة المراقبة فقط لم يفصح عن ذهوله ، حتى نظراته لم تفصح عن شي ، ثابت بمحله يرمق جسدها الصغير وهي تتهادى بخطوات تحمل وجل ورعب وترقب ، تحمل إستفهامات مضمورة
تحمل طفلة صغيرة ملتفة بغطاء أبيض
مانع قليل الكلام ، بخيل الحرف ، يتقن التحديق والتحليل ، وسماع الأصوات الداخلية يكتفي بتحليلها داخله ويطبق عليها بصمته المهيب !
همست لنفسها : ماكلف على نفسه يجي مرسل أكبر عياله كديتي خير من البداية !
لكن تبعثرت كلمات العتب بصدرها وهي تسمعهم ينادونه بمانع !
هذا مانع ؟
اسمه كبير والخيالات اللي تلازم حروف اسمه كانت بالنسبة لها شاسعة ومخيفة ..
مانع الشايب اللي رسمته بداخلها
كان رجل طاغي الوسامة بأوج أوج شبابه بملامح يطغى عليها السمت وتطغى على السمت المهابة عريض الصدر طويل القامة كان عملاق بالنسبة لخيالاتها !
رفعت عينها البعد بالنسبة لها شاسع مال فمها وتوسط الرعب صدرها من جديد ، مكتفية بالتحديق مثله قرأ علامات التعجب والحروف اللي بعثرها حضوره ، قدر يسترق له نظرة كانت كافية بالنسبة له
أنت تقرأ
ساري الجبل واخوان ساري
General Fiction.حينما تضيق بك الحياة ، تختنق بآلامك وحيداً ، تتنفس من خرم إبرة ، تولد أحاسيس خيالية ، وأخرى من رحم الواقع ، "هنا يكمن نتاج المعاناة " وهنا البداية تنطوي الأيام بحلوها ومرها ،نوقد مصابيح للفرح ونتخطى العثرات نغلق ابواب الألم وتفتح ابواب اخرى مؤلمة...