اللي وصله ان وعيها غايب وذهنها شارد بسكة بعيدة ، وان اللي أمامه جسد فقط تنهد وارتخت أجفانه ، عادت للغياب ..! تركض مسافات طويلة بعيدة عنه وتركض نفس المسافة وهي ممددة أمامه على السرير ، روحها السابقة بعيدة واللون اللذيذ اللي متمسكة فيه لتسع سنوات جف مخزونه ، صار هو يحاول يمسك الصفحة ويرجع نفس اللون لكن فقد بدايات السطور حتى المقدمات صارت ماتنفع حتى أقلامه جفت مثل لونها الثابت القديم هذا التلاحم مؤذي لقلبه قبل قلبها ، هذا الهروب مؤذي وكثير هتف حتى لو كانت شاردة الذهن وعقلها غايب المهم لمسها :الحمدلله هالمرة ماطولنا كنت متيقن ان الخطوة قصيرة وان خط الرجعة أكبر من الخطوة وانك شيء عائد للمكان ولهنا
أشار لصدره وهو يهمس بنبرته الشاعرية وكأنه يلقي نص أفنى فيه ساعات طويلة من عمره تشنّجت فقرات ظهره من كثر الإنحناء وهو يسكب أحرفه من جوف قلبه ، وهو محتضن أقلامه وأوراقه البيضاء الخالية ليكتب ويكتب ويكتب ، أكمل وكأنه عاد لمكتبته لأوراقه البيضاء الخالية ، نَقَش السطور وأول عشر أوراق نقش فيها اسمها لانه نطقه ولأنها للتو تستوعب !( هتاف )
تصلّبت وتوقفت لحظتها وكأنها تقرأ حروف الإسم المنقوش من كل صفحة ، حرف حرف ، صفحة صفحة ..
( هتاف ).. أكمل وعينه بعينها اللي قدرت تسيطر على لهفتها : بديت أصدق قصة المسافة اللي تفصلنا بديت اتأكد ان كل حرف يخص حياتنا كان صحيح ، مافي شيء يفصلنا اليد باليد النظرات الملهوفة واللي صارت مع الوقت نظرات عادية المسافة القصيرة اللي تفصل أجسادنا في وراها ورى الضلوع بالضبط مسافة تهد الحيل مثل ماقلتي ..
لم ترد وهو زفر من جديد وقال : تظنين اني ما حاولت ؟ تظنين ان تسع سنين كنتي تركضين فيها وحيدة ؟ هتاف انا تقاسمت معك نص الطريق
قطع حديثه هو يظن انه يثرثر هباء رفع خصلتها عن عينها ونطق بنفس النبرة : أذن المغرب انتهى يوم من حياتنا بطلع افطر مع أهلي في الدكة وعد مني ياهتاف ماترك عيونك و لا يدينك ولا حتى المسافة القصيرة اللي بين اجسادنا لين نطوي المسافة البعيدة وتتعانق القلوب !
مسح كفوفها وضغط على أصابعها وده بأي لمسة يحسسها انه موجود ، يمكن لمساته ترجعها لوعيها
نهض وأقفل الباب وهي خلفه تقوس فمها ودقات قلبها تضرب بصورة رهيبة تمددت وهي تحاول تنسى كل حرف قاله لكن حروف اسمها من فمه لايمكن تنسى ولا يمكن تتجاهل وقوعها على قلبها اللي فجأة تأكدت انه تلخبط من جديد والسبب حروف اسمها !
.
.
غالب ..
فتح الباب الكبير وهو متردد ، دخل وخمن انها بالمطبخ بسرعة اندفع ناحية باب المطبخ كان خالي منها لا يوجد أثر وهنا قفز قلق غريب لصدره ليخرج بسرعة وبخطوات واسعة ، بسرعة مجنونة وصل فيها لغرفتهم ليجدها على السجادة تردد أذكار الصلاة ومغمضة عينيها تنفس من اعماقه وهي بسرعة فزت بثوب الصلاة المورد : غالب سهم ماجا أمس بالليل شفته بس غيابه قاعد يكذب عيوني أمس ، خرجت ثلاث مرات لحالي ادور بنفس المكان ومالقيت أحد
غالب زاد ضيقه لم تعاتبه لم تسأله عن غيابه لم تطلب مبررات خوفها الكبير على أخوها منعها ومنع عتابها ..
شد كفوفها : هدي هدي عيونش ما تكذب شفته بعيني مثلش وبعدين وين تظنينه بيروح القرية صغيرة لفتين ويعود
جلست على السرير وردت بضيق : وين لفتين وهو بس شفته واقف وخلاص اختفى مو متطمنة والله قلبي حاس ان في شيء
جلس بجنبها تماماً وقلقها الغريب على سهم تأكد انه مو من فراغ ولا مبالغة أنثى شديدة العاطفة مثل مايظن ومثل ماتوقع ، ميّلت رأسها على كتفه وصارت تبكي بصوت خافت وهو ضيع كل طرق المواساه وحتى الكلمات ضاعت منه ، وضعها الحالي أجبر يده الصلبة تمتد ليطوق كتفها بدون شعور منه همس لها بعد ما سلك لصوته : قومي وتعوذي من الشيطان نطلع الحين ونشوف الأماكن اللي يجلس فيها
رفعت نفسها وتأملت وجهه المرهق : لا أول تفطر بعدين نطلع
ماقدر يسيطر على إبتسامته هز رأسه وهو يماشي رغبتها ، تداريه وتهتم فيه وهو بخل بنصف إهتمام فازت أكثر من مرة وغلبت خطواته الخجولة المترددة بأكثر من خطوة !
راقب ترتيبها للسفرة ، لم يغريه منظر الأكل انشغلت جوارحه بمنظر آخر اللذة فيه أكبر والصفاء غلب اللذة ، شكلها الناعم شعرها المرفوع ولونه الملفت مثل عسل مسكوب تمنى لو سكبته بالفعل وانتثر بأريحية مثل شكلها الأريحي، ملامحها اللي فيها القبول أكثر من الجمال ملامحها تستحث عيونه وتجمّل التأمل وتغريه للنظر بلا تملل ، ويبدو انها سرقت رقة الورد ولون الورد انتثر على خديها تشربت حمرته، رموشها طويلة ومعكوفة ، ابتسمت وصغرت عيونها وحمرة خديها توهجت تأكدت انه غارق بشيء آخر ونسي نفسه وعينه على ملامحها
أنت تقرأ
ساري الجبل واخوان ساري
General Fiction.حينما تضيق بك الحياة ، تختنق بآلامك وحيداً ، تتنفس من خرم إبرة ، تولد أحاسيس خيالية ، وأخرى من رحم الواقع ، "هنا يكمن نتاج المعاناة " وهنا البداية تنطوي الأيام بحلوها ومرها ،نوقد مصابيح للفرح ونتخطى العثرات نغلق ابواب الألم وتفتح ابواب اخرى مؤلمة...