حسناء بسعادة غامرة لروحها تحفز فضولها تشوف شكلها النهائي قالت : هاتي المراية
يا الله كيف تحول الذبول لبهاء ! وكيف رمت خلفها فُتات الطفولة ، عذابها القاسي ، طفولتها الناقصة وكل مرارتها غضت الطرف عنها ، غابت عن بالها وهذا الشعور الفريد غلب كل قسوة لامست أيامها السابقة وأجدب من سببها غصنها ،اليوم تجردت من ثقل الأيام وقفت بوجه الهم وصارت بأوج زينتها همست من اعماقها لتلك القابعة خلفها بالضبط :كانت المرايا دايم تكسرني كنت أشوف عيون الرحمة وهي تطالعني وهي تقول كيف ذوى الغصن كيف ذبتي مع مرور الأيام كنت اسمع نفس الصوت بكل وقفة قدام المرايا صرت أكره اوقف عندها لأنها تذكرني بالقبح اللي واقف بيني وبين كل لحظة حلوة !
هتاف تسمع مرارة ثرثرتها وقررت تبتلعها مثل همسها السابق : اليوم ضربتي المرايا كسرتي نورها بوجهش الساطع ، لا تسمعين أي صوت ثاني صوت جمالش الداخلي وجمال عيونش الظاهر وصوتش انتي ، افرضي حسنش على المرايا وعلى التعاسة اللي توقف بالوسط بكل مرة ، تقدرين صح؟
هزت حسناء رأسها ، أضفت هتاف لعيدها لون جديد وكلامها بث بداخلها دفعة قوية ، زاد تحمله معها لرحلتها الطويلة مع التعاسة ، المهم اليوم قدرت تستفرد بلحظة سعيدة وهذا المهم ..
خرجت حسناء بحلتها الجديد بثوب الفرح اللي كانت تتمنى يزهاها ، هي كل الألوان تليق فيها وكل ثوب يلامس جسدها تزيّنه ، لكن لا تشعر ولا تدرك واليوم أدركت بعض الجمال، خرجت من البيت وهي كلها فضول كيف يستقبل ماجد حلتها الجديدة؟
كان واقف ببداية السلم منشغل بشماغه لم يعتاد بعد ،، هذا الزول يعرفه كثير يعرف الهاله اللي تغطيه وتجذبه أغمض عينه أكيد من جارات البيت لكن الهالة تجذبه أكثر وصارت تقترب أكثر ،صرخ بضحكة لفاتنته لأول وجه وأول حب وأول كف وأول صوت يتهادى لمسمعه الأولى والفريدة ،اللي كان يشوفها أجمل الجميلات بثياب المطبخ بربطتها الحرير هذي حسناء هذي أمه
انطلق وهو يضحك ودموعه أبت إلا تشارك اللحظة دموع الفرح وهو يشوف أمه تتحرر من قيود التعاسة بهندام جديد : أمي أمي
حسناء وهي تضحك : ايه ايه أمك النكدية قررت تصير حلوة العيد
دسها وسط صدره : انتي حلوة الأيام حلوة عيوني بعيد وبغيره ..
أبعدها وهو يلامس يدينها المتزينة ضحك بسعادة أكبر : وحنا ! شوي شوي ياحسنا بقي للبنات حيلة يتجملون فيها للعيد !
ضحكت كلامه وحروفه دايم سابقه سنه : الحمدلله الحمدلله ضحكتك والفرحة هذي عندي بالدنيا كلها ..
غزل واقفة قريب منهم مبتسمة وفرحة ماجد صارت فرحة لها دخل جابر وبسرعة تراجع ليضحك ماجد : عمي عمي لا تفوّت المنظر تكفى طالبك تعال هذي الحسناء !
رجع جابر لكن لم يغير شيء منظرها لأنه لم ينظر بمعنى أدق .. ركز بفرحة ماجد ، إبتهاجه أشغله عن كل شيء أو هو قرر يتشاغل قال : ماجد ابويه جيب الضيافة للمجلس جدك والعيال هناك لا تطول
هز رأسه وامه مبسوطة صار يُعتمد عليه ومايستغنون عن وجوده : روح حبيبي انا بجلس مع النسوان شوية وبروح ارقد..
.
.
وجا الليل وحانت ساعة الرقص ..ملكة تزينت بإسراف لليلة الرقص نزلت وقايد بالأسفل مكان هجره اللي اختاره بعد ماصوبت حروفها إتجاه قلبه ، بعد إعترافها اللي نالت من بعده ألوان الندم ، فارقه الترقب والدهشة هجرت عيونه وصوته الشاعري غاب ، نزلت وعبائتها على ذراعها متعمده تفصح عن فتنتها ،إقتربت وهي تشوف اكتافه العريضة رمقته بنظرات صريحة تمنت لو تملك جرأة وتفصح عن كل شيء محتقن داخل أوردتها، تمنت لو تقول بصوت صريح مثل إعترافها السابق علها تكفر عن قسوتها : هذي زينة أيام الهجر واللي نالت من قلبي ،
هذا الإقتراب تريد فيه لفت الإنتباه لأشياء أخرى غير شكلها الخارجي ، مكنون القلب اللي يصارع أكثر من فكرة لكن اليوم ودها تستحوذ بأنوثتها على كل شيء تنازلت عن إصرارها على الرحيل وفكرة التعارف ماقبل الرحيل مهدت لها الطريق ، هي تدرك ان هذه الفكرة في غاية الأنانية تجاهلت كل شيء وتقدمت وقايد بعيد كل البعد عن أفكار الرحيل ومنغمس في لذة النوم !
وكل الخطط تلاشت رمقت وجهه المجهد برحمة انحنت للغطاء المرمي على الأرض ورفعته
لتهمس : قايد غفت عيونك وانت قاعد قوم ريح بالغرفة
فتح عيونه بتثاقل وعطرها الثقيل داهم كوابيسه بسبب نومه المباغت ووضعه الغير مريح : اعوذ بالله من الشيطان الرجيم
ضحكت بدون مقدمات ضحكت ذهولاً من نظرته وهمسه الجازع كل هذا الحسن ويتعوذ منه !
أنت تقرأ
ساري الجبل واخوان ساري
General Fiction.حينما تضيق بك الحياة ، تختنق بآلامك وحيداً ، تتنفس من خرم إبرة ، تولد أحاسيس خيالية ، وأخرى من رحم الواقع ، "هنا يكمن نتاج المعاناة " وهنا البداية تنطوي الأيام بحلوها ومرها ،نوقد مصابيح للفرح ونتخطى العثرات نغلق ابواب الألم وتفتح ابواب اخرى مؤلمة...